فصل : فذلك ضربان : وإن كان واجدا لبعضها دون بعض
أحدهما : أن يكون صاعا كاملا فعليه إخراجه : لأن العجز عن بعض الواجبات لا يسقط به باقيها ثم في كيفية إخراجه ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو ظاهر نصه ، أنه مخير بين إخراجه عن نفسه ، أو عن أيهم شاء : لأنه لو كان واجد الفطرة جميعهم ، لكان مخيرا في تقديم إخراجها عن أيهم شاء فكذا ، إذا كان واجد الفطرة أحدهم كان مخيرا في إخراجها عن أيهم شاء .
والوجه الثاني : أنه يخرجها عن أحد الجماعة لا يعينه ليحتسب الله تعالى بها عمن شاء : لأنه لو كان واجد الفطرة جميعهم لم يلزمه أن يعينها عن كل واحد منهم ، وكذا إذا كان واجد الفطرة واحد منهم لم يلزمه أن يعينها عن أحدهم .
والوجه الثالث : أن يخرجه عن أوكدهم حرمة وأقواهم سببا : لأن من كان حقه أوكد وأقوى فهو بالإخراج عنه أحق وأولى ، فعلى هذا يبدأ بنفسه لقوله صلى الله عليه وسلم ، ثم يبدأ بعد نفسه بزوجته : لأن نفقة زوجته مقدمة على نفقة أقاربه ، فكذا فطرة نفسه مقدمة على فطرة أقاربه ، ثم يبدأ بعد زوجته بأولاده الصغار الفقراء وهم مقدمون على الأب : لأن وجوب النفقة عليهم بنص ، ووجوب النفقة على الأب باستدلال ، ثم يبدأ بعد أولاده الصغار بأبيه وهو مقدم على أمه : لأن نفقته في صغره قد تجب على أبيه دون أمه ، فكانت نفقة أبيه أوكد من نفقة أمه ، ثم يبدأ بعد أبيه بأمه وهي مقدمة على كبار ولده ، لقوة حرمتها بالولادة ثم أولاده الكبار الفقراء . ابدأ بنفسك ثم بمن [ ص: 374 ] تعول
والضرب الثاني : أن يكون ما وجده بعد قوته أقل من صاع ، فمذهب الشافعي ، وما ذكره منصوصا في بعض كتبه أن عليه إخراجه لما ذكرنا من أن العجز عن بعض الواجبات لا يسقط ما بقي منها ، وفيه وجه آخر لبعض أصحابنا أنه لا يلزمه إخراجه كالكفارة التي لا يلزم إخراج بعضها ، إذا لم يقدر على جميعها وهذا غلط والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الكفارة ترجع فيها إلى بدل فلم يلزمه إخراج بعضها والفطرة لا يرجع فيها إلى بدل فلزمه إخراج بعضها .
والثاني : أن إخراج بعض الصاع قد يجب في العبد بين شريكين ، فوجب إخراجه لجواز تبعيضه والكفارة لا يجوز تبعيضها فلم يجز إخراج بعضها .