في سنن الصلاة
لها ثلاثة معان : السيرة ، وصورة الوجه ، وتمر والسنة في اللغة بالمدينة ، والسنن الطريقة ويقال : بالفتح في السين والنون وضمهما وضم السين فقط . لها خمسة معان : ما يلفى شرعه من النبي - عليه السلام - من غير القرآن فيقال هذا ثابت بالكتاب والسنة قولا كانت السنة أو فعلا ، وعلى فعله دون قوله ، وعلى فعله الذي هو واجب عليه نحو الوتر وقيام الليل ، وعلى ما تأكد من المندوبات مطلقا ، وعلى ما يقتضي تركه سجود السهو في الصلاة عند بعض المالكية نحو صاحب الجلاب وجماعة معه ، والكلام هاهنا على القسمين الأخيرين في الصلاة مجملا ومفصلا ، فنقول : سنن الصلاة اثنتان وعشرون سنة . والسنة في الشرع
السنة الأولى والثانية : وهو الأوليان من المغرب والعشاء ، وجملة الصبح ، والوتر ، والجمعة ، والعيدان ، والاستسقاء ، الجهر فيما يجهر فيه وهو ما عدا ذلك . قال في الكتاب والجهر : أن يسمع نفسه وفوق [ ص: 208 ] ذلك قليلا ، والمرأة دون الرجل في ذلك ، قال صاحب الطراز : السر ما لا يسمع بأذن أصلا ، والجهر ضده وأقله إسماع من يلي المصلي إذا أنصت إليه . والسر فيما يسر فيه ، والمنفرد بين ذلك لما في الموطأ : والإمام يرفع صوته ما أمكنه ; ليسمع الجماعة ، وفي البيان لا يجوز أن يفرط المسبوق في الجمعة إذا كان بجنبه مثله لئلا يخلط عليه ، ولا أن خرج - عليه السلام - على الناس وهم يصلون ، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به ، ولا يجهر بعضكم على بعض في القراءة إذا كان بجنبه من يصلي ، يرفع صوته في النافلة ; لأن صوتها عورة . والمرأة تأتي بأقل مراتب الجهر
فائدة :
قال صاحب الطراز : كان - عليه السلام - يجهر في صلاته بالنهار فكان المنافقون يجدون بذلك وسيلة فيصفرون ويكثرون اللغط ، فشرع حسما لمادتهم . الإسرار
السنة الثالثة والرابعة ، قال في الكتاب : إن تركها صحت صلاته وهو مذهب الجمهور ; لقوله عليه السلام : سورة مع أم القرآن والقيام لها في الركعتين الأوليين والمنفردتين ، قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب المازري : وأوجب عمر - رضي الله عنه - زيادة على الفاتحة ، وحده غيره بثلاث آيات ، وقيل ما تيسر ، وخرج اللخمي قولا بالوجوب ، وفيه نظر ، وروي عن مالك أنها فضيلة لا توجب سجودا والأفضل الاقتصار على صورة العمل ، ويجوز [ ص: 209 ] ; لقول الجمع بين سور - رضي الله عنه - لقد عرفت النظائر التي كان - عليه السلام - يقرن بينها ، وذكر عشرين سورة ويمكن حمله على النوافل ، وإذا قرأ سورة قرأ ما بعدها اتباعا لترتيب المصحف ، فلو قرأ ما قبلها جاز ولو ابن مسعود ، قال صاحب الطراز : قال اقتصر على بعض سورة مالك : لا يفعل فإن فعل أجزأه وهو المشهور ، وروى لا بأس بذلك . حجة المشهور : أنه الغالب من فعله - عليه السلام - وفعل الصحابة - رضوان الله عليهم - بعده وفي الواقدي أبي داود بمكة فاستفتح سورة المؤمنون حتى جاء ذكر موسى وهارون وعيسى عليهم السلام أخذته - عليه السلام - سعلة فركع ، وفي الموطأ أن أنه - عليه السلام - صلى الصبح - رضي الله عنه - قرأ في ركعتي الصبح بالبقرة ، قال في الكتاب : ولا أبا بكر الصديق ، وقال ( ح ) : يقرأ في الأوليين من الظهر فإذا نسي قرأ في الأخريين . لنا أنها لو قضيت لقضيت الأركان بطريق الأولى وليس يباين حجتنا على عدم قراءتها في الركعتين الأخيرتين ، خلافا ( ش ) ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - كان يقضي ما نسيه من ركعة في ركعة أخرى ويسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر ، ويقصر الثانية وكذلك في الصبح ، ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب . احتج ( ش ) بما في يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب ، وسورة مسلم عن ، قال : أبي سعيد الخدري ، وفي الموطأ : أن كنا نحزر قيامه الركعتين الأوليين من الظهر قدر ( الم تنزيل ) : [ ص: 102 ] السجدة ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين قدر النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخيرتين من الظهر ، وفي الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك عبد الله بن عمر كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع في كل ركعة بأم القرآن وسورة ، وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من الفريضة .
والجواب عن الأول : أن ما ذكرناه أرجح ; لأنه مبين ، وما ذكرتموه حزر ، وعن الثاني أنه محمول على النافلة بدليل ذكر الفريضة بعده ، ولأنه يعارض بعمل المدينة .
السنة الخامسة ، قال التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام اللخمي : وقيل هو فضيلة ، وقال صاحب المقدمات : وقيل التكبيرة الواحدة سنة وقد تقدم البحث في معناه في تكبيرة الإحرام في الأركان ، ، خلافا وهو عندنا مشروع في كل خفض ورفع وجماعته لما أطبق عليه المسلمون في سائر الأمصار ، ولأن لعمر بن عبد العزيز صلى وكبر للرفع والخفض ، وقال : إني لأشبهكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبا هريرة المازري : وقد رأى بعض المتأخرين أن مقتضى الروايات وجوبه لقوله في تاركه : إن لم يسجد وطال بطلت صلاته ، وقال بوجوبه . لنا حديث الأعرابي المسيء لصلاته ، قال في الكتاب : يكبر للركوع والسجود إذا شرع فيه ، ولا يكبر بعد التشهد حتى يستوي قائما ووافقه ( ح ) ، وخالفه ( ش ) . لنا ما في ابن حنبل أبي داود أنه - عليه السلام - كان إذا قام من الركعتين [ ص: 211 ] كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، كما يكبر عند افتتاح الصلاة ، ولأن التكبير شرع في الصلاة متصلا بما ينتقل منه وإليه فلا يخرج من ركن إلا ذاكرا ، ولا يدخل في ركن إلا ذاكرا ، وكذلك لا يدخل في الصلاة إلا ذاكرا بتكبيرة الإحرام ، ولا يخرج منها إلا ذاكرا بالتسليم ، والجلوس ليس بركن لصحة الصلاة بدونه إجماعا فكان التكبير بعده للقيام فيكون في أوله كقيام أول الصلاة ، ولأن الصلاة فرضت مثنى مثنى ، ثم زيد في صلاة الحضر كما في الموطأ فقد كان التشهد قبل بغير تكبير فتكون التكبيرة للزيادة في ابتدائها أول القيام .
السنة السادسة والسابعة : ، دليل عدم وجوبها أنه - عليه السلام - لما تركها سجد قبل السلام ، قال في الكتاب : الجلوس كله سواء يفضي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى وظاهر إبهامها مما يلي الأرض ويثني رجله اليسرى ، وقال ( ح ) : يفرش اليسرى فيقعد عليها وينصب اليمنى ويوجه أصابعه للقبلة ، ووافقه ( ش ) إلا في الجلسة الأخيرة فقال : يخرج رجله من الجانب الأيمن ، ويفضي بأليته إلى الأرض ، وقول ( ح ) في الجلسة الوسطى والمقدار الزائد بعد جلوسه الواجب للسلام عنه - عليه السلام - وقول ( ش ) في البخاري أبي داود عنه - عليه السلام - ويترجح قول مالك بالعمل فقد نقله في الموطأ عن جماعة من الصحابة ، وقال : هو السنة . فرعان : [ ص: 212 ] الأول : سنة الجلوس أن يرفع يديه على فخذيه فإن لم يفعل ، ففي النوادر عن بعض أصحابنا يعيد الصلاة لما في ابن عمر أبي داود عنه - عليه السلام - أنه قال : اليدان تسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ، وإذا رفع فليرفعهما ، قال صاحب الطراز : والأصح عدم الإعادة ; لأنها تبع .
الثاني : قال صاحب الطراز : المعروف من المذهب قبض اليمنى إلا المسبحة يبسطها وهو قول الجمهور ، وقال في المبسوط : لا يبسطها وهو في عنه - عليه السلام - والأول في الموطأ عنه - عليه السلام - وفي السبابة ثلاثة أقوال فروي عنه أنه كان يحركها من تحت البرنس ، وقال البخاري ابن القاسم : تمد من غير تحريك وكان يحيى بن عمر يحركها عند الشهادة فقط فالسكون إشارة إلى الوحدانية والتحريك في مسلم عنه - عليه السلام - وهو مقمعة للشيطان بمعنى أنه يذكر الصلاة ، وأحوالها فلا يوقعه الشيطان في سهو ويكون جنبها الأيسر إلى جنب الخنصر إلى أسفل ، وهو قول إلا أنه قال : أول ما يضع كفه على صدرها ، ثم يقلبها بعد ذلك ، ثم يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويبسط السبابة والإبهام وهو في الشافعي أبي داود ، وقال أيضا : يبسط الوسطى معهما وهو في أبي داود ، وقال أيضا : يقبض الجميع إلا المسبحة وهو قول مالك الذي رواه عن في صفة صلاته - عليه السلام - وإذا قبض الإبهام جعله تحت الثلاثة ، قال ابن عمر مالك : وكله واسع .
السنة الثامنة والتاسعة ، قال التشهدان المازري : روي عن مالك و ( ش ) وجوب الأخير ، وعن أحمد وجوبهما ووافق المشهور ( ح ) لنا قوله - عليه السلام - [ ص: 213 ] للأعرابي : ، ولم يذكر التشهد . وفي الصحاح ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك أنه - عليه السلام - ترك الجلسة الوسطى فسجد قبل السلام ، وفي الترمذي أنه سبح به فلم يرجع وهذا شأن السنن ونقيس الأخير على الأول ، حجة وجوبهما فعله - عليه السلام - وقوله في أبي داود : ، والأمر للوجوب . إذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله
وجوابه : أنه محمول على الندب جمعا بين الأدلة ، واختار مالك فيه تشهد - رضي الله عنه - ففي الموطأ كان يقول على المنبر للناس : قولوا التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وفي بعض روايات الموطأ لم يذكر وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن عمر بن الخطاب محمدا عبد الله ورسوله . واختار ( ش ) رواية عنه - عليه السلام - وهي التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . وساق التشهد مرجحا له بقول ابن عباس كان - عليه السلام - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، ولأنه - عليه السلام - توفي ابن عباس صغير [ ص: 214 ] فيكون آخر الأمر منه - عليه السلام - فيكون أرجح ; لأن فيه زيادة المباركات ، والسلام فيه منكر وهو أكثر سلام القرآن ، واختار ( ح ) رواية وابن عباس عنه - عليه السلام - ابن مسعود . وساق التشهد مرجحا له بقول أنه كان يعلمهم التشهد : التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي - رضي الله عنه - أخذ النبي - عليه السلام - بيدي فعلمني التشهد ، وقال عليه السلام : ابن مسعود أخذ جبريل - عليه السلام - بيدي فعلمني التشهد وهذا يقتضي العناية ، والضبط حتى أن الحنفية اليوم يرونه في معنى : أخذ بيدي ، أخذ في جملة الروايات إلى جبريل - عليه السلام - فإن كلهم فعل ذلك كما فعله - عليه السلام - مع ، ولأنه بزيادة الواو وهي التشهد بالتعدد كما حصل الترجيح في ربنا ولك الحمد بالواو على إسقاطها ، وكذلك في قولنا في رد التحية وعليكم السلام أرجح من عليكم السلام ، ترجيحنا أن ابن مسعود عمر - رضي الله عنه - كان يقوله على المنبر من غير نكير فجرى مجرى التواتر والإجماع ; لأن فيه زيادة الزاكيات والتسليم بالتعريف أبلغ لإفادة العموم .
فوائد :
التحيات جمع تحية ، والتحية السلام لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية ) والتحية الملك لقوله :
[ ص: 215 ]
من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
أي : الملك والتحية البقاء ، وقيل هو المراد بالبيت والملك هو المشهور ، وأصله : أن الملك كان يحبى فيقال له : أبيت اللعن ، ولا يقال لغيره ذلك ، والزاكيات ، قال ابن حبيب : صالح الأعمال ومنه قوله تعالى : ( قد أفلح من تزكى ) والطيبات الأقوال الحسنة كقوله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقد تقدم معنى الطيب في التيمم ، وقال ابن عبدوس : الأعمال الصالحة ; لأنها تطيب العبد كما قال تعالى : ( الطيبات للطيبين ) والصلوات إن جعلنا الألف واللام فيها للعهد كانت الصلوات الخمس ، والجنس شملت سائر الصلوات الشرعيات هذا إذا اعتبرنا الحقيقة الشرعية وهو الظاهر ، وإن اعتبرنا اللغوية وهي : الدعاء كانت للعموم في سائر الدعوات ، واللام في قولنا : لله للاختصاص أي هذه الأمور مختصة بالله إلى الإخلاص ، فهي عبادات منا للرب سبحانه وتعالى بأن لا يعبد بهذه الأمور إلا الله ، كما نعبد في الفاتحة بقولنا : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أي : لا نعبد إلا إياه ، ولا نستعين إلا به . وقولنا السلام عليك إن جعلنا السلام اسما لله تعالى فيكون معناه : الله عليك حفيظ أو راض ، وقيل هو مصدر تقدير الكلام سلم الله عليك سلاما ، ثم نقلناه من الدعاء إلى الخبر [ ص: 216 ] كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( فقالوا سلاما قال سلام ) . فسلامه أبلغ من سلامهم لأجل النقل ، وكذلك قال في " الحمد لله " في أول الفاتحة وتقرير جميع ذلك في علم النحو . وقيل جمع سلامة فيكون دعاء بالسلامة من الشرور كلها والرحمة ، قال الشيخ : هي إرادة الإحسان فتكون صفة ذاتية قديمة واجبة الوجود يعضده قوله تعالى : ( أبو الحسن الأشعري ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) أي : تعلقت إرادتك وعلمك بسائر الموجودات ، وقال القاضي أبو بكر : هي الإحسان كله يعضده قوله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) أي : الجنة ; لقوله : ( فسأكتبها للذين يتقون ) فتكون رحمة الله عنده محدثة ليست صفة ذاتية ، والرحمة اللغوية هي رقة الطبع تستحيل عليه تعالى فيتعين العدول إلى أحد هذين المجازين اللازمين للحقيقة عادة ، وعلى التقريرين فهو دعاء له عليه السلام .
فرع :
قال في الكتاب : لا وإن كان روي ذلك في الموطأ عن يتبسمل أول التشهد - رضي الله عنهما - وعلى الأول فقهاء الأمصار ; لأن رواية ابن عمر عمر [ ص: 217 ] وابن مسعود - رضوان الله عليهم - ليس فيها بسملة ، ولا في خبر ثابت . وكان وابن عباس ينكرها ، وفي الحديث : ابن عباس ليكن أول قولكم التحيات لله .