إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) الآيات 11 - 20 . قوله تعالى : (
635 - أخبرنا قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ محمد بن أحمد بن علي المقرئ قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، عن فليح بن سليمان المدني ، عن الزهري عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، ، عن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله تعالى منه . قال : وكلهم حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا . ذكروا أن الزهري عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : عائشة - رضي الله عنها - : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي . فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه مسيرنا ، حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه ، وقفل ، ودنونا من المدينة ، أذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، ومشيت حتى جاوزت الجيش ، [ ص: 166 ] فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت ، فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون [ بي ] ، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه .
قالت عائشة : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ، ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ، ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي [ ثم ] الذكواني قد عرس من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني ، فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، وهلك من هلك في ، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ، ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ، فذلك يحزنني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر ، خالة وابنها أبي بكر الصديق فأقبلت أنا مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئسما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه ، أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وماذا قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فسلم ، ] ثم قال : " كيف تيكم ؟ " قلت : تأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أبوي ، فقلت : يا أماه ، ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قالت : فقلت : سبحان الله ، أوقد تحدث الناس بهذا ؟ [ وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : نعم ؟ ] . قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق [ ص: 167 ] أهله ، فأما وأسامة بن زيد ، فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، وما نعلم إلا خيرا . وأما أسامة بن زيد فقال : لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب فقال : " يا بريرة ، هل رأيت شيئا يريبك من بريرة ، عائشة ؟ " قالت : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله . قالت : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر من بريرة عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال ، وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا . ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا . وما كان يدخل على أهلي إلا معي " . فقام فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من سعد بن معاذ الأنصاري الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت : فقام وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية - فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام لسعد بن معاذ وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ ، : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، إنك لمنافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيان من لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت . قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي ، وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها وجلست تبكي معي . قالت : فبينا نحن على ذلك ، إذ دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت : فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب ، تاب الله عليه " . قالت : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لأمي : أجيبي [ عني ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي . قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله [ ص: 168 ] تعالى في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا يبرئني الله تعالى بها . قالت : فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي ، من ثقل القول الذي أنزل عليه [ من الوحي ] ، قالت : فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سري عنه وهو يضحك ، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " أبشري يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله " ، فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي برأني . قالت : فأنزل الله سبحانه وتعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) العشر الآيات : فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال [ أبو بكر ] الصديق ، وكان ينفق على مسطح لقرابته ، وفقره - والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة : فأنزل الله تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ) إلى قوله ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) فقال أبو بكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا . رواه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . قالت ، البخاري ومسلم ، كلاهما عن . أبي الربيع الزهراني