وفيها عثمان ، رضي الله عنه : خرج المصريون وغيرهم على [ ص: 184 ] مقتل عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة .
قال إسماعيل بن أبي خالد : لما نزل أهل مصر الجحفة ، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر ، فقال : جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا : أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة ، وأغريتم بي سفهاء الناس ، أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون ؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد ، فقام علي ، فقال : أنا ، فقال أنت أقربهم رحما ، فأتاهم فرحبوا به ، فقال : ما الذي نقمتم عليه ؟ قالوا : نقمنا أنه محا كتاب الله يعني كونه جمع الأمة على مصحف وحمى الحمى ، واستعمل أقرباءه ، وأعطى مروان مائة ألف ، وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فرد عليهم عثمان : أما القرآن فمن عند الله ، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرءوا على أي حرف شئتم ، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي ، إنما حميته لإبل الصدقة ، وأما قولكم : إني أعطيت مروان مائة ألف ، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا . وأما قولكم : تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما أنا بشر أغضب وأرضى ، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فهذا أنا ذا ، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا ، فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة .
وقال محمد بن سعد : قالوا رحل من الكوفة إلى المدينة : الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث ويزيد بن مكنف ، ، وثابت بن قيس وكميل بن زياد ، وزيد وصعصعة ابنا صوحان ، ، والحارث الأعور وجندب بن زهير ، وأصفر بن قيس ، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم ، فرحل سعيد أيضا إلى عثمان فوافقهم [ ص: 185 ] عنده فأبى عثمان أن يعزله . فخرج الأشتر من ليلته في نفر ، فسرى عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر ، فقال : هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان لأغيلمة من قريش ، والسواد مساقط رءوسكم ومراكز رماحكم ، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة ، فخرج الناس فعسكروا بالجرعة ، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب ، فجهز الأشتر إليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي وعبد الله بن كنانة العبدي ، فقال : سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه ، فإن أبى فاضربا عنقه ، فأتياه ، فلما رأى منهما الجد رجع ، وصعد الأشتر منبر الكوفة ، وقال : يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم ، وقد وليت صلاتكم ، أبا موسى الأشعري فيئكم ، ثم نزل وقال : يا وحذيفة بن اليمان أبا موسى اصعد . فقال : ما كنت لأفعل ، ولكن هلموا فبايعوا أمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم ، فأجابه الناس ، وكتب إلى عثمان بما صنع ، فأعجب عثمان ، فقال عتبة بن الوعل شاعر أهل الكوفة :
تصدق علينا يا بن عفان واحتسب وأمر علينا الأشعري لياليا
فقال عثمان : نعم وشهورا وسنين إن عشت ، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه .
وعن الزهري قال : ولي عثمان ، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئا ، وأنه لأحب إليهم من عمر ؛ لأن عمر كان شديدا عليهم ، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ، ثم إنه توانى في أمرهم ، واستعمل [ ص: 186 ] أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر ، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية ، وآثر أقرباءه بالمال ، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها ، واتخذ الأموال ، واستسلف من بيت المال ، وقال : إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما ، وإني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر الناس عليه ذلك .
قلت : ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص ، وكان صالحا زاهدا ، وجمع الشام لمعاوية ، ونزع عمرو بن العاص عن مصر ، وأمر ابن أبي سرح عليها ، ونزع عن أبا موسى الأشعري البصرة ، وأمر عليها عبد الله بن عامر ، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص .