الحوادث في خلافة ذي النورين عثمان
سنة أربع وعشرين
[ عثمان ] بيعة
[ ص: 164 ] دفن عمر رضي الله عنه في أول المحرم ، ثم جلسوا للشورى ، فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلا قال قبل الشورى : إن بايعتم لعثمان أطعنا ، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا .
وقال المسور بن مخرمة : جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال : ما ذاقت عيناي كثير نوم منذ ثلاث ليال فادع لي عثمان وعليا والزبير وسعدا ، فدعوتهم ، فجعل يخلو بهم واحدا واحدا يأخذ عليه ، فلما أصبح صلى صهيب بالناس ، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في كلامه : إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان .
وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أخبرني المسور أن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا ، فقال عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ، ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم ، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، قال : فوالله ما رأيت رجلا بذ قوما أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم ، حتى ما من رجل من الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأيا ولا يطئون عقبه ، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي ، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا ، وذكر الحديث إلى أن قال : فتشهد وقال : أما بعد يا علي فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ، ثم أخذ بيد عثمان [ ص: 165 ] فقال : نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده ، فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار .
وعن أنس ، قال : أرسل عمر إلى ، فقال : كن في خمسين من أبي طلحة الأنصاري الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت ، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم ، اللهم أنت خليفتي عليهم .
وفي زيادات مسند أحمد من حديث أبي وائل ، قال : قلت : كيف بايعتم لعبد الرحمن بن عوف عثمان وتركتم عليا ؟ قال : ما ذنبي قد بدأت بعلي ، فقلت : أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال : فيما استطعت ، ثم عرضت ذلك على عثمان فقال : نعم .
وقال الواقدي : اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة ، ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ فقال : علي ، وقال لعلي خلوة : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ قال : عثمان ، ثم دعا الزبير ، فقال : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ قال : علي أو عثمان ، ثم دعا سعدا ، فقال : من تشير علي ؟ فأما أنا وأنت فلا نريدها ، فقال : عثمان ، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان .
ثم نودي : الصلاة جامعة ، وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه [ ص: 166 ] بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه ، فصعد المنبر ووقف طويلا يدعو سرا ، ثم تكلم فقال : أيها الناس إني قد سألتكم سرا وجهرا على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين : إما علي وإما عثمان ، قم إلي يا علي ، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده ، وقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال : اللهم لا ، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ، فقال : قم يا عثمان ، فأخذ بيده في موقف علي ، فقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال : اللهم نعم ، قال : فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ، ثم قال : اللهم اشهد ، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان .
فازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية ، وقعد عبد الرحمن مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ، قال : وتلكأ علي ، فقال عبد الرحمن : فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما [ الفتح ] . فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول : خدعة وأيما خدعة .
ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان محبوسا في دار سعد ، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة ، وجعل عبيد الله يقول : والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي ، يعرض بالمهاجرين والأنصار ، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه ، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين : أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق ، فقال علي : أرى أن تقتله ، فقال بعضهم : قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم ؟ فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على [ ص: 167 ] المسلمين سلطان ، إنما تم هذا ولا سلطان لك ، قال عثمان : أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي .
قلت : والهرمزان هو ملك تستر ، وقد تقدم إسلامه ، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر ، فجاء فدخل على عمار بن ياسر عمر ، فقال : حدث اليوم حدث في الإسلام ، قال : وما ذاك ؟ قال : قتل عبيد الله الهرمزان ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون علي به ، وسجنه .
قال : اجتمع سعيد بن المسيب أبو لؤلؤة وجفينة ، رجل من الحيرة ، والهرمزان ، معهم خنجر له طرفان مملكه في وسطه ، فجلسوا مجلسا فأثارهم دابة فوقع الخنجر ، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر ، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك ، فوثب عبيد الله فقتل الهرمزان ، وجفينة ، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة ، فلما استخلف عثمان قال له علي : أقد عبيد الله من الهرمزان ، فقال عثمان : ما له ولي غيري ، وإني قد عفوت ولكن أديه .
ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف ، قال : لا إله إلا الله . وأما جفينة فكان نصرانيا ، وكان ظئرا أقدمه إلى لسعد بن أبي وقاص المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم الناس الكتابة .