442 - الأحنف بن قيس بن معاوية [بن حصين] السعدي التميمي ، واسمه الضحاك ، وقيل: صخر ، ويكنى أبا بحر .
ولدته أمه وهو أحنف ، فكانت ترقصه ، وتقول:
والله لولا حنفة برجله .
ودقة في ساقه من هزله .
ما كان في فتيانكم من مثله .
أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه من يعرض عليهم الإسلام ، فقال إنه ليدعو إلى خير ، وما أسمع إلا حسنا ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: الأحنف: للأحنف" . وكان "اللهم اغفر يقول: ما من شيء أرجى عندي من ذلك . الأحنف
وقد روى عن عمر ، وعلي ، وهو الذي افتتح مرو الروذ ، وكان وأبي ذر . الحسن في جيشه ، وكان عالما سيدا ، وكان يحضر عند وابن سيرين فيطيل السكوت ، [ ص: 94 ] فقال: يا معاوية أبا بحر ، تكلم ، فقال: أخشى الله إن كذبت ، وأخشاكم إن صدقت .
وكان يتهجد بالليل كثيرا ، وكان يضع المصباح قريبا منه ، ثم يقدم إصبعه إلى النار ، ثم يقول: يا أحنف ، ما حملك على ما فعلت في يوم كذا . وكان يصوم ، فيقال له: إنك شيخ كبير والصيام يضعفك ، فيقول: إني لأعده لشر طويل .
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري ، علي بن عبيد الله الطوسي ، قال: قال معاوية بن هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: لم بلغ فيكم ما بلغ؟ قال: إن شئت حدثتك ألفا ، وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا ، [قال: احذفه حذفا] ، قال: إن شئت ثلاثا ، وإن شئت فاثنتين ، وإن شئت فواحدة ، [قال: ما الثلاث؟] قال: أما الثلاث فإنه كان لا يشره ، ولا يحسد ولا يمنع حقا . قال: فما الثنتان؟ قال: كان موفقا للخير معصوما عن الشر . قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطانا . الأحنف بن قيس
أخبرنا ابن ناصر الحافظ ، قال: أنبأنا قال: أخبرنا الحسن بن أحمد البناء ، عبيد الله بن أحمد ، قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان ، قال: أخبرنا أن ابن المنادي ، إبراهيم بن مهدي الأيلي حدثهم قال: حدثني أحمد بن داود بن زياد الضبي ، قال: حدثنا كعب بن مالك الكوفي ، قال: حدثنا عبد الحميد بن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، عن أبيه ، عن قال: قال لي الشعبي ، يا الأحنف بن قيس: شعبي ، قلت: لبيك ، قال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم ، قلت: من هم؟ قال: الآتي إلى مائدة لم يدع إليها ، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه ، [ ص: 95 ] والمتآمر على رب البيت في بيته ، والمندلق بالدالة على السلطان ، والجالس في المجلس الذي ليس له بأهل ، والمقبل بحديثه إلى من لا يسمع منه ، والطامع في فضل البخيل ، والمنزل حاجته بعدوه .
قال: يا شعبي ، ألا أدلك على الداء الدوي؟ قلت: بلى ، قال: الخلق الرديء واللسان البذيء .
قال: قلت له: دلني على مروءة ليس فيها مرزية ، فقال: بخ بخ يا شعبي ، سألت عظيما ، الخلق الشحيح والكف عن القبيح .
وكان يقول: إن من السؤدد الصبر على الذل ، وكفى بالحلم ناصرا . الأحنف
وقال: ما نازعني أحد إلا أخذت من أمري بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان دوني رفعت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه .
وقال زياد بن الأحنف: قد بلغ من الشرف والسؤدد ما لا تنفعه [معه] الولاية ، ولا يضره العزل .
وقال خالد بن صفوان: كان يفر من الشرف والشرف يتبعه . الأحنف بن قيس
أخبرنا قال: أخبرنا ابن ناصر ، عبد القادر بن محمد ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال: حدثنا قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، جرير ، عن مغيرة ، قال: اشتكى ابن أخي الأحنف إلى وجع ضرسه ، فقال له الأحنف بن قيس لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد . الأحنف:
أخبرنا عبد الخالق بن أحمد ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق ، قال: أخبرنا الحسين بن صفوان ، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال: حدثنا قبيصة ، قال: قيل للأحنف بن قيس: ألا تأتي الأمراء؟ قال: فأخرج جرة مكسورة ، فكبها فإذا كسر ، فقال: من يجزيه مثل هذا ما يصنع بإتيانهم؟!
[ ص: 96 ]
قال محمد بن سعد: كان صديقا الأحنف لمصعب بن الزبير ، فوفد عليه الكوفة ومصعب واليها ، فتوفي عنده فرئي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء .
443 - ظالم بن عمر بن سفيان ، أبو الأسود الدؤلي:
قال يوسف بن حبيب: الدول من بني حنيفة ساكن الواو ، والديل عبد القيس ساكنة الياء ، والدؤل في كنانة رهط أبي الأسود الدؤلي .
وقد روى أبو الأسود عن عمر ، وعلي ، والزبير ، وأبي ذر ، وعمران بن حصين .
واستخلفه لما خرج من عبد الله بن عباس البصرة ، فأقره رضي الله عنه ، وكان يحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحب الشديد ، وهو القائل: عليا
يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا أحب محمدا حبا شديدا
وعباسا وحمزة الوصيا فإن يك حبهم رشدا أصبه
ولست بمخطئ إن كان غيا
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أخذ أبو الأسود عن علي بن أبي طالب العربية ، فكان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي إلى آخر حتى بعث إليه زياد: اعمل شيئا يكون إماما نعرف به كتاب الله ، فلم يفعل حتى سمع قارئا يقرأ: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} [9: 3] فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا . وقال لزياد: أبغي كاتبا لقنا يفعل ما أقول ، فأتي بكاتب من عبد القيس ، فلم يرضه ، فأتي بآخر ، فقال له أبو [ ص: 97 ] الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقطه نقطة فوقه على أعلاه ، وإذا ضممت فمي بالحرف فانقطه نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف ، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين ، فهذه نقط أبي الأسود .
وروى أبو العباس المبرد ، قال: حدثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو وعليه أصلت أصوله أن ابنة أبي الأسود قالت له: ما أشد الحر؟ قال: الحصباء بالرمضاء ، قالت: إنما تعجبت من شدته ، فقال: أوقد لحن الناس . فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه ، فأعطاه أصولا بنى منها ، وعمل بعده عليها .
وهو وأخذ النحو عن أول من نقط المصاحف ، أبي الأسود عنبسة الفيل ، ثم أخذه عن عنبسة ميمون الأقرن ، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ، ثم أخذه عنه عيسى بن عمر ، وأخذه عن عيسى الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ثم أخذه عن الخليل ثم أخذه عن سيبويه ، سيبويه الأخفش ، وهو سعيد بن مسعدة المجاشعي .
وروى أبو حامد السجستاني قال: حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال: حدثنا سعيد بن سالم الباهلي ، قال: حدثنا أبي ، عن جدي ، عن أبي الأسود الدؤلي ، قال: دخلت على أمير المؤمنين رضي الله عنه فرأيته مطرقا متفكرا ، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع في أصول العربية ، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا ، فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها: علي بن أبي طالب
الكلام كله: اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل . ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه .
أخبرنا موهوب بن أحمد ، ومحمد بن ناصر ، والمبارك بن علي ، قالوا: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر الحمامي ، قال: أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، قال: حدثنا محمد بن علي بن إسماعيل الثوري ، قال: حدثنا قال: حدثنا عمر بن شبة ، عبد الله بن محمد يعني الثوري ، قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال: ووضع أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي ، ثم ميمون الأقرن ، ثم عنبسة الفيل ، ثم [ ص: 98 ] عبد الله بن أبي إسحاق . عيسى بن عمر في النحو كتابين سمى أحدهما "الجامع" ، والآخر "المكمل" . فقال الشاعر:
بطل النحو جميعا كله غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع فهما للناس شمس وقمر
قال الجاحظ: أبو الأسود معدود في طبقات الناس ، وهو في كلها مقدم ، كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والنجلاء والشيعة والصلع الأشراف .
توفي أبو الأسود في هذه السنة ، وهو ابن خمس وثمانين سنة .
444 - عامر بن عبد الله ، وهو الذي يقال له عامر بن عبد قيس:
أدرك الصدر الأول ، وروى عن وكان ملازما للتعبد ، غاية في التزهد ، وكان عمر ، يقول: هذا راهب هذه الأمة . كعب الأحبار
أخبرنا ابن ناصر ، وعلي بن عمر ، قالا: أخبرنا فاروق الله ، وطراد ، قالا: أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، قال: أخبرنا قال: حدثنا ابن صفوان ، أبو بكر القرشي ، قال: حدثني سلمة بن شبيب بن سهل بن عاصم ، عن عبد الله بن غالب ، عن عامر بن يساف ، قال: سمعت المعلى بن زياد يقول: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة ، وكان إذا صلى [ ص: 99 ] العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام ، فيقول: يا نفس ، بهذا أمرت ، ولهذا خلقت ، يوشك أن يذهب العناء .
وكان يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوءة ، فوعزة ربك لأزحفن بك زحوف البعير ، وإن استطعت ألا تمس الأرض من زهمك لأفعلن ، ثم يتلوى كما يتلوى الحب على المقلاة ، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي .
445 - عمرو بن سعيد بن العاص:
قتله بيده ، وقد ذكرنا قصته في الحوادث . عبد الملك بن مروان
446 - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسكن فضالة بن عبيد بن نافذ ، أبو محمد الأنصاري: الشام ، وكان قاضيا وتوفي في هذه السنة . لمعاوية ،
447 - يزيد بن ربيعة بن مفرغ ، أبو عثمان الحميري: سمي جده مفرغا لأنه راهن على سقاء لبن أن يشربه كله ، فشربه حتى فرغه ، فسمي مفرغا . وكان يزيد شاعرا محسنا غزلا ، والسيد من ولده .
ومدح فقال: مروان بن الحكم ،
وأقمتم سوق الثناء ولم تكن سوق الثناء تقام في الأسواق
فكأنما جعل الإله إليكم قبض النفوس وقسمة الأرزاق
وكان عم يزيد يعنفه في حب أناهيد ، ويعزله ويعيره ، فقال له: يا عم ، إن لي بالأهواز حاجة ، لي على قوم بها ثلاثون ألف درهم ، فإن رأيت أن تتجشم [العناء] معي وتطالب بحقي ، فأجابه ، فاستأجر سفينة وتوجه إلى الأهواز ، فكتب إلى أناهيد: تهيئي وتزيني واخرجي إلي مع جواريك ، فإني موافيك ، فلما نزلوا منزلها خرجت إليهم في هيئتها ، فلما رآها عمه قال له: قبحك الله ، هلا علقت مثل هذه ، قال: يا عم ، أوقد أعجبتك؟ قال: ومن لا تعجبه هذه ، قال: أبجد [منك] تقول هذا؟ قال: نعم والله ، قال: فإنها والله هذه بعينها . فقال: إنما أشخصتني لأجلها؟! [قال: نعم] ، ثم انصرف وأقام هو معها إلى أن مات في زمن الطاعون أيام مصعب بن الزبير .
[ ص: 101 ]