فمن الحوادث فيها مسير أهل الشام إلى مكة لحرب عبد الله بن زبير ومن كان على مثل رأيه في الامتناع على يزيد بن معاوية .
قال علماء السير: لما فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثا ، شخص بمن معه من الجند متوجها نحو مكة ، وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي .
وقيل: خلف عمرو بن محرز الأشجعي .
فسار حتى إذا انتهى إلى فقا المشلل نزل به الموت ، وذلك في آخر المحرم سنة أربع وستين ، فدعا ابن عقبة حصين بن نمير السكوني ، فقال له: يا برذعة الحمار ، أما لو كان هذا الأمر إلي ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولاك بعدي ، وليس لأمره مترك ، أسرع المسير ، ولا تؤخر ثلاثا حتى تناجزه ، ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله [ ص: 22 ] أحب إلي من قتل أهل ابن الزبير المدينة ، ولا أرجى [عندي] في الآخرة . ومات فدفن بالمشلل .
ثم خرج الحصين بن نمير بالناس ، فقدم على ابن الزبير مكة لأربع بقين من المحرم ، فحاصر أربعا وستين يوما حتى جاءهم -يعني ابن الزبير لهلال ربيع الآخر ، وكان القتال في هذه المدة شديدا ، وقذف يزيد بن معاوية- البيت بالمجانيق في يوم السبت ثالث ربيع الأول ، وأحرق بالنار ، وكانوا يرتجزون ويقولون:
كيف ترى صنيع أم فروه تأخذهم بين الصفا والمروه
يريدون بأم فروة: المنجنيق .وروى عن أشياخه: أنهم كانوا يوقدون حول الواقدي ، البيت ، فأقبلت شرارة فأحرقت ثياب الكعبة وخشب البيت في يوم السبت ثالث ربيع الأول .
وفي رواية: أن رجلا أخذ قبسا في رأس رمح له ، فطارت به الريح فاحترق .
وروى المدائني ، عن أبي بكر الهذلي ، قال: لما سار أهل الشام فحاصروا سمع أصواتا من الليل فوق الجبل ، فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلوا إليه ، وكانت ليلة ظلماء ذات ريح شديدة ورعد وبرق ، فرفع نارا على رأس رمح لينظر إلى الناس ، فأطارتها الريح فوقعت على أستار الكعبة فأحرقتها واستطارت فيها ، وجهد الناس في إطفائها فلم يقدروا فأصبحت الكعبة تتهافت ، وماتت امرأة من ابن الزبير قريش ، فخرج الناس كلهم مع جنازتها؛ خوفا من أن ينزل العذاب عليهم ، وأصبح [ ص: 23 ] ساجدا يدعو ويقول: "اللهم إني لم أعتمد ما جرى ، فلا تهلك عبادك بذنبي ، وهذه ناصيتي بين يديك" . فلما تعالى النهار أمن الناس وتراجعوا ، فقال لهم: ينهدم في بيت أحدكم حجر فيبنيه ويصلحه ، وأترك الكعبة خرابا . ثم هدمها مبتدئا بيده ، وتبعه الفعلة إلى أن بلغوا إلى قواعدها ، ودعا بناءين من الفرس والروم ، فبناها . ابن الزبير