ثم دخلت سنة ثلاث وستين
فمن الحوادث فيها أخرج أهل المدينة عامل يزيد وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان وخلعوا يزيد .
فذكر أبو الحسين المدائني عن أشياخه: أن أهل المدينة أتوا المنبر ، فخلعوا يزيد ، فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي: قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي -ونزعها عن رأسه- وإني لا أقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ، ولكن عدو الله سكير .
وقال آخر: قد خلعته كما خلعت نعلي ، حتى كثرت العمائم والنعال ، ثم ولوا على قريش عبد الله بن مطيع ، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة ، ثم حاصر القوم من كان بالمدينة من بني أمية ومواليهم ومن يرى رأيهم .
فكتب مروان وجماعة من بني أمية إلى يزيد: "إنا قد حصرنا في دار مروان ، ومنعنا العذب ، فيا غوثاه" .
فوصل الكتاب إليه وهو جالس على كرسي واضع قدميه في ماء في طست من وجع كان به -ويقال: إنه كان به نقرس- ثم قال للرسول: أما يكون بنو أمية ومواليهم بالمدينة ألف رجل؟ فقال: بلى وأكثر ، قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار ، فقال: أجمع الناس عليهم ، فلم يكن بهم طاقة ، فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه [ ص: 13 ] الكتاب ، وأمره أن يسير إليهم ، فقال: قد كنت ضبطت لك البلاد ، وأحكمت الأمور ، فأما الآن فإنما هي دماء قريش تهراق ، فلا أحب أن أتولى ذلك .
قال: فبعثني بالكتاب إلى مسلم بن عقبة وهو شيخ كبير ، فجاء حتى دخل على يزيد ، فقال: اخرج وسر بالناس . فخرج مناديه فنادى: أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته ، فانتدب لذلك اثني عشر ألفا ، وكتب يزيد إلى ابن مرجانة: أن اغز فقال: لا والله لا أجمعهما للفاسق أبدا ، أقتل ابن [بنت] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغزو ابن الزبير ، البيت .
وفصل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عقبة ، وقال له: إن حدث بك حادث فاستخلف على الجيش حصين بن نمير السكوني ، وقال له: ادع القوم ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عنهم ، وانظر علي بن الحسين فاستوص به [خيرا] ، أدن مجلسه فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه .
وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى إذا بلغ أهل المدينة إقباله وثبوا على من معهم من بني أمية فحصروهم في دار مروان ، فقالوا: لا والله لا نكف عنكم حتى نستزلكم ، ونضرب أعناقكم ، أو تعطونا عهد الله وميثاقه أن لا تبغونا غائلة ، ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدوا ، فأعطوهم العهد على ذلك ، فأخرجوهم من المدينة ، فخرجوا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى ، فدعا بعمرو بن عثمان وقال له: أخبرني ما وراءك ، وأشر علي ، قال: لا أستطيع أن أخبرك شيئا ، [ ص: 14 ] أخذت علينا العهود والمواثيق أن لا ندلك على عورة ، فانتهره وقال: لولا أنك ابن عثمان لضربت ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك ، فخرج بما لقي من عنده إلى أصحابه ، فقال مروان لابنه عبد الملك: ادخل قبلي لعله يجتزئ بك عني ، فدخل عليه عبد الملك ، فقال: هات ما عندك ، أخبرني خبر الناس ، وكيف ترى؟ فقال له: أرى أن تسير بمن معك حتى تأتيهم من قبل الحرة ، ففعل ، وقال: يا أهل المدينة ، إن أمير المؤمنين يزيد يزعم أنكم الأصل ، ويقول: إني أكره إراقة دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن راجع الحق أمنته ورجعت عنكم ، وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة ، وإن أبيتم فقد أعذرنا إليكم ، فلما مضت الأيام الثلاثة قال: يا أهل المدينة ما تصنعون؟ قالوا: نحارب ، فقال: لا تفعلوا وادخلوا في الطاعة ، فقالوا: لا نفعل . وكانوا قد اتخذوا خندقا ونزله منهم جماعة ، وكان عليهم عبد الرحمن بن زهير بن عبد عوف ، وكان عبد الله بن مطيع على ربع آخر في جانب المدينة ، وكان معقل بن سنان الأشجعي على ربع آخر ، وكان أمير جماعتهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري في أعظم تلك الأرباع وأكثرها عددا .
وقيل: كان ابن مطيع على قريش ، وابن حنظلة على الأنصار ، ومعقل بن سنان على المهاجرين .
فحمل ابن الغسيل على الخيل حتى كشفها ، وقاتلوا قتالا شديدا ، وجعل مسلم يحرض أصحابه -وكان مريضا ، فنصب له سرير بين الصفين- وقال: قاتلوا عن أميركم ، وأباح مسلم المدينة ثلاثا ، يقتلون الناس ويأخذون الأموال ، فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى تقول بنت عمك: مر أصحابك لا يعترضوا الإبل لنا بمكان كذا ، فقال: لا تبدءوا إلا بها . وجاءت امرأة إلى مسلم ، وقالت: أنا مولاتك وابني [ ص: 15 ] في الأسرى ، فقال: عجلوه لمكانها ، فضربت عنقه ، وقال: أعطوها رأسه ، أما ترضين أن لا تقتلي حتى تكلمي في ابنك ، ووقعوا على النساء ، وقاتل مسلم عبد الله بن مطيع حتى قتل هو وبنون له سبعة ، وبعث برأسه إلى يزيد .
فأفزع ما جرى من كان بالمدينة من الصحابة ، فخرج حتى دخل الجبل ، فدخل عليه رجل بسيف ، فقال: من أنت؟ فقال: أبو سعيد ، فتركه . أبو سعيد الخدري
أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد ، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن شيبة البزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز ، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني ، عن أبي عبد الرحمن القرشي ، عن خالد الكندي ، عن عمته أم الهيثم بنت يزيد ، قالت: رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود ، فعانقته وقبلته ، فقلت: يا أمة الله ، أتفعلين هذا بهذا الأسود ، قالت: هو ابني وقع علي أبوه يوم الحرة ، فولدت هذا .
وعن المدائني ، عن أبي قرة ، قال: قال ولدت ألف امرأة بعد هشام بن حسان: الحرة من غير زوج ، ثم دعا بالناس إلى البيعة مسلم ليزيد ، وقال: بايعوا على أنكم خول له ، وأموالكم له ، فقال يزيد بن عبد الله بن ربيعة: نبايع على كتاب الله ، فأمر به فضربت عنقه ، وبدأ بعمرو بن عثمان ، فقال: هذا الخبيث ابن الطيب ، فأمر به فنتفت لحيته .
أخبرنا قال: أخبرنا ابن ناصر ، المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد ، قال: أخبرنا أبو بكر بن شاذان ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن شيبة ، قال: أخبرنا أحمد بن الحارث ، قال: حدثنا المدائني ، عن حويرثة وابن جعدية: أن مسلما نظر إلى قتلى الحرة ، فقال: إن دخلت النار . . . . . بعدها ولا إني لشقي .
[ ص: 16 ]
وأسر أسراء فحبسهم ثلاثة أيام لم يطعموا ، فجاءوا مسلم بسعيد بن المسيب إلى فقالوا: بايع ، فقال: أبايع على سيرة مسلم ، أبي بكر فأمر بضرب عنقه ، فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه . وعمر ،
وعن المدائني ، عن علي بن عبد الله القرشي ، وأبي إسحاق التميمي ، قال: لما انهزم أهل المدينة والصبيان ، فقال ابن عمر: ورب الكعبة . بعثمان
وعن المدائني ، عن محمد بن عمر قال: قال ذكوان مولى مروان: شرب مسلم بن عقبة دواء بعدما نهب المدينة ، ودعا بالغداء ، فقال له الطبيب: لا تعجل فإني أخاف عليك إن أكلت قبل أن يعمل الدواء ، قال: ويحك! إنما أحب البقاء حتى أشفي قلبي -أو قال: نفسي- من قتلة عثمان ، فقد أدركت ما أردت فليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي ، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس .
وعن المدائني ، عن شيخ من أهل المدينة ، قال: سألت كم كانت القتلى يوم الزهري: الحرة ؟ قال: سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي ، وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف ، وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام .
وعن المدائني ، عن عن أبيه ، عن رجل من ابن أبي الزناد ، قريش ، قال: كنت أنزل بذي الحليفة فدخلت المسجد فإذا رجل مريض ، قلت: من أنت؟ قال: أنا رجل من خثعم أقبلت من نجران ، فمرضت فتركني أصحابي ومضوا ، فحولته إلى المنزل ، فكان عندنا حتى صح ، وأقام عندنا حينا كرجل منا ، وعملت لصاحبتي حليا بمائة دينار وهو يرى ذلك ، ثم خرج إلى الشام ، فقدم المدينة أيام الحرة وقد تحولنا من ذي الحليفة إلى المدينة ، فلما انتهب مسلم المدينة أتانا في جماعة فسمعت الجلبة في الدار ، فخرجت فإذا أنا به وأصحابه خارجا ، فقلت له: قد كنا نتمناك ، قال: ما جئت إلا لأدفع عن دمك ، ولكني آخذ فإن الأمير قد أمرنا بالنهب ، وسيؤخذ ما عندك وأنا أحق به ، فقلت: أنت لعمري أحق به ، فاصرف أصحابك وخذه وحدك ، فخرج فرد أصحابه ورجع ، فقال: ما فعل الحلي؟ قلت: على حاله ، قال: فهاته ، قلت: هو مدفون مالك ، بذي الحليفة عند البئر التي رأيت ، فإذا أمسينا خرجنا إليها فأدفعه إليك . فلما أمسيت خرجت [ ص: 17 ] أنا وهو وتبعني ابنان لي حتى انتهينا إلى البئر وطولها ثلاثون ذراعا ، فأخذناه أنا وابناي ، فشددناه وثاقا ، وأرميناه في البئر ودفناه فيها ورجعنا ، فلما أصبحنا إذا رجل ممن كان معه بالأمس قد أتانا ، فقال: أين أبو المحرش؟ قلنا: غدا حين أصبح ، قال: أراه والله خدعنا وأخذ المتاع ، قلنا: ما أخذ شيئا ، ادخل فانظر ، فدخل فأغلقنا عليه الباب وقتلناه .
وعن المدائني ، عن سلمان بن أبي سلمان ، عن أبي بكر بن إبراهيم بن نعيم بن النحام ، قال: مر ركب من أهل اليمن إلى الشام يريدونه ومعهم رجل مريض ، فأرادوا دفنه وهو حي ، فمنعهم أبي ، فمضوا وخلفوه ، فلم يلبث أن برئ وصح ، فجهزه أبي وحمله ، وكان ممن قدم مع فرأته جارية لنا ، فعرفته ، فقالت: مسلم ، عمرو ، فقال: نعم وعرفها ، قال: ما فعل أبو إسحاق؟ قالت: قتل ، فقال لأصحابه: هؤلاء أيسر أهل [بيت] بالمدينة ، فانتهبوا منزلهم ، فكان يضرب به المثل بالمدينة : "وأنت أقل شكرا من عمرو" .
ثم استخلف على مسلم المدينة روح بن زنباع ، وسار إلى فاحتضر في الطريق ، فقال ابن الزبير ، لحصين بن نمير: إنك تقدم بمكة ولا منعة لهم ولا سلاح ، ولهم جبال تشرف عليهم ، فانصب عليهم المنجنيق فإنهم بين جبلين ، فإن تعوذوا بالبيت فارمه واتجه على بنيانه .
قال أبو معشر كانت والواقدي: وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين .
وقال بعضهم: لثلاث بقين منه .