[بدء إسلام الأنصار] من ذلك:
كما كان يصنع في كل موسم ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم يعرض نفسه على القبائل
فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، وكان أولئك فلما كلمهم قال بعضهم لبعض: والله إنه النبي الذي يعدكم به يهود ، فلا تسبقنكم إليه . فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا ، يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبي يبعث ، وكانوا ستة وهم: فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فقال: "من أنتم؟" قالوا: من الخزرج . قال: "أفلا تجلسون أكلمكم؟" . قالوا: بلى .
، أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - ورافع بن مالك بن العجلان ، [ وقطبة بن عامر بن حديدة ] ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد الله بن رئاب . [ ص: 21 ]
[فلما قدموا] المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله ، ودعوهم إلى الإسلام حتى [فشا] فيهم ، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري قال: أخبرنا أبو أحمد العسكري قال: أخبرنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل البغدادي قال: أخبرنا عبد الجبار بن كثير بن سيار التميمي قال: حدثنا محمد بن بشران الصنعاني قال:
أخبرنا أبان بن عبد الله البجلي ، عن أبان بن ثعلب ، عن عكرمة ، عن قال: حدثنا ابن عباس رضي الله عنه قال: علي بن أبي طالب
لما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، خرج وأنا معه ، وأبو بكر ، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر فسلم ، ووقفت أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال علي: وكان أبو بكر مقدما في كل خير ، وكان رجلا نسابة ، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة . قال: وأي ربيعة أنتم؟ قالوا: ذهل الأكبر . قال أبو بكر: أمن هامتها أو من لهازمها؟ قالوا: بل من هامتها العظمى . قال: فمنكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا . قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا . [قال: فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار؟ قالوا: لا] قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا . قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا . قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا . قال: فمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا . قال: فلستم [من] ذهل [ ص: 22 ] الأكبر ، أنتم [من] ذهل الأصغر . فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له: دغفل حين بقل عارضه ، فقال:
إن على سائلنا أن نسأله والعبو لا تعرفه أو تحمله
[يا هذا ، إنك قد سألتنا] فأخبرناك ، ولم نكتمك شيئا ، فممن الرجل؟ فقال أبو بكر: من [قريش . فقال الفتى:] بخ بخ أهل الشرف والرئاسة ، فمن أي قريش أنت؟ قال: من [ولد تيم بن] مرة . فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء النقرة ، فمنكم [قصي] الذي جمع القبائل من فهر ، فكان يدعى في قريش مجمعا . قال: لا . قال: فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه فقيل فيه: (بيت)عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
وزاد غيره: قال: فأنت إذا من زمعات قريش .
قال: فاجتذب أبو بكر زمام الناقة ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الغلام: [ ص: 23 ]
صادف در السيل درا يدفعه يهيضه حينا وحينا يصدعه
قال رضي الله عنه: فقلت: يا أبا بكر ، لقد وقعت من الأعرابي على باقعة . علي
قال: أجل يا أبا الحسن ، ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والبلاء موكل بالمنطق .
قال: فدفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار ، فتقدم أبو بكر فسلم ودنا ، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة .
فقال: يا رسول الله ما وراء هؤلاء من قومهم شيء ، هؤلاء غرر الناس ، وفيهم: مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك . فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ قال مفروق: إنا لنزيد على ألف ، ولن تغلب ألف من قلة . فقال أبو بكر: فكيف المنعة فيكم؟ قال: علينا الجهد ولكل قوم جهد . قال: كيف الحرب بينكم؟ قال: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى ، وأشد [ما نكون لقاء حين نغضب] وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح [ ، والنصر من الله] عز وجل يديلنا مرة ويديل علينا أخرى ، لعلك أخو [قريش . قال أبو بكر] رضي الله عنه: وقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا . قال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذلك ، فإلى ما يدعو يا أخا قريش؟
فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس ، وقام أبو بكر يظله بثوبه ، فقال:
"أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله ، وإلى [ ص: 24 ] أن تؤوني وتنصروني ، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله ، وامتنعت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد" .
فقال مفروق: وإلى ما تدعونا أيضا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا الآية .
فقال مفروق : إلى ما تدعونا أيضا؟ فوالله ما سمعت كلاما هو أجمل من هذا ، ولو كان من كلام أهل الأرض لفهمناه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية .
فقال مفروق : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ، وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا .
فقال ابن قبيصة : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا إياك ، ولكن نرجع وترجع ، وننظر وتنظر ، وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا .
فقال المثنى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب جواب هانئ بن قبيصة ، وإنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما هاتان الصريان؟" .
قال: مياه العرب ما كان منها مما يلي [أنهار] ( كسرى فذنب صاحبه غير مغفور ، وعذره غير مقبول ، وإنما نزلنا على عهد أخذه كسرى علينا ، أن لا نحدث حدثا ، ولا نؤوي محدثا ، فأنا أرى أن هذا [الأمر] الذي تدعونا إليه تكرهه الملوك ، [فإن [ ص: 25 ] شئت نؤويك] وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا .
فقال رسول [الله صلى الله عليه وسلم] وسلم: "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله تعالى لن ينصره إلا من [أحاطه من جميع] جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم ، أتسبحون الله وتقدسونه؟" .
فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذلك .
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . ثم نهض قابضا على يد أبي بكر وهو يقول: "أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها ، يدفع الله بها بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم" .
فما برحنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا صدقا صبرا .