وزر للسلطان محمد والمسترشد بالله ، وكان عاقلا مهيبا عظيم الخلقة ، دخلت عليه فرأيت من هيبته ما أدهشني ، وهو كان السبب في جمع المقامات التي أنشأها فإن أبو محمد الحريري ، أبا القاسم عبد الله بن أبي محمد الحريري حكى أن والده كان جالسا في مسجده ببني حرام - إحدى محال البصرة - فدخل المسجد شيخ ذو طمرين ، عليه أهبة السفر ، رث الحالة ، فصيح اللهجة حسن العبارة فسألوه من أين الشيخ؟
قال: من سروج ، وكنيتي أبو زيد فعمل والدي المقامة الحرامية بعد قيامه من ذلك المجلس ، واشتهر هذا فبلغ أنوشروان بن خالد وطلع بتلك المقامة ، فأشار عليه بأن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين ، وكان أنوشروان كريما ، سأله رجل خيمة فلم تكن عنده فبعث إليه مائة دينار ، وقال: اشتر بها خيمة ، فكتب إليه الرجل:
لله در ابن خالد رجلا أحيى لنا الجود بعد ما ذهبا سألته خيمة ألوذ بها
فجاد لي بل بخيمة ذهبا
ألا ليت شعري والتمني تعلة وإن كان فيه راحة لأخي الكرب
أتدرون أني مذ تناءت دياركم وشط افتراقي عن جنابكم الرحب
أكابد شوقا ما يزال أواره يقلبني بالليل جنبا على جنب
وأذكر أيام التلاقي فأنثني لتذكارها بادي الأسا طائر اللب
ولي حنة في كل وقت إليكم ولا حنة الصادي إلى البارد العذب
فو الله لو أني كتمت هواكم لما كان مكتوما بشرق ولا غرب
ومما شجا قلبي المعنى وشفه رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي
وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة فقد صرت أخشاها وما لي من ذنب
ولما سرى الوفد العراقي نحوكم وأعوزني المسري إليكم مع الركب
جعلت كتابي نائبي عن ضرورة ومن لم يجد ماء تيمم بالترب
ونفذت أيضا بضعة من جوارحي لتنبئكم عن شرح حالي وتستنبي
ولست أرى إذكاركم بعد خبركم بمكرمة حسبي اهتزازكم حسبي