للمقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه] [عقد
وفي شعبان: عقد للمقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه أخت مسعود وحضر الأكابر وتولى العقد وزير الخليفة ، ووزير السلطان ونثرت الحبوب والجواهر وتماثيل الكافور والعنبر ، وتوجه السلطان مسعود إلى الجبل وخلف نائبه بالعراق ألبقش الكبير السلاحي ، فورد سلجوق شاه بن محمد إلى واسط والحلة وطمع في العراق فطرده ألبقش وكان مستضعفا ، واجتمع جماعة من الأمراء والملك داود وعساكر آذربيجان فواقعوا السلطان مسعودا وجرت حروب عظيمة ، ثم قصد مسعود آذربيجان وقصد داود همذان ، ووصلها يوم الوقعة ، وتقررت القواعد أن الخليفة يكتب الراشد لزنكي عشرة بلاد ولا يعين ونفذت الخطوط التي كتبت في حق الراشد ، بما يوجب الخلع إلى الراشد الموصل ، وأحضر هناك القضاة والشهود فقرئ عليهم المكتوب الذي أنفذ [من بغداد] ، وفيه شهادة الشهود والقضاة ، وأحضر قاضي القضاة وثبت الكتاب عنده ، الراشد بالموصل وخطب للمقتفي ومسعود ، وقطعت خطبة وخلع [ ص: 322 ] وداود ، فلما سمع الراشد بذلك نفذ إلى الراشد زنكي يقول له: غدرت ، فقال: ما لي بمسعود طاقة فالمصلحة أن تمضي إلى داود ، فمضى في نفر قليل وتخلى عنه وزيره ابن صدقة ودخل الموصل ولم يبق معه صاحب عمامة سوى أبي الفتوح الواعظ ، وكان قد نفذ مسعود ألفي فارس للقبض عليه ففاتهم ومضى إلى مراغة ، فدخل إلى قبر أبيه وحثا التراب على رأسه ، فحمل إليه أهل البلد الأموال ، وكان يوما مشهودا ، وقوي داود وضرب المصاف مع مسعود فقتل من أصحاب مسعود خلق كثير .
وفي يوم السبت ثاني عشرين ربيع الأول: ابن الخجندي مدرسا في النظامية . جلس
وفي يوم الاثنين رابع وعشرين من الشهر: قبض على صاحب المخزن ووكل به في دار السلطان على بقية ما استقر عليه من المال ، ومات رجل فأخذ ماله أصحاب التركات فعاد أصحاب السلطان وأخذوا ماله من المخزن ، وأخذت تركات الحشرية من الخليفة ، وأخذوا الحفارين والغسالين وكتبوا عليهم ، وأشهدوا أن لا يكتموهم شيئا فصاروا لا يقدرون على قبر ميت إلا برقعة من العميد ، ولم يبق للخليفة إلا العقار الخاص ، وأعيد صاحب المخزن بعد أن كفل به جماعة وكتبوا خطوطهم بالضمان الوزير وسديد الدولة .
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر: جلس أبو النجيب في دار رئيس الرؤساء بالقصر للتدريس وجعلت الدار مدرسة وحضر عنده جماعة من الفقهاء والقضاة .
وفي يوم الجمعة ثالث عشر: بنيت دكة في جامع القصر للقاضي أبي يعلى بن الفراء في الموضع الذي كان يجلس فيه ، ثم نقضت في يوم الخميس ثامن عشر ، ومنع من كان يجلس ونودي بالجلوس في النظامية يوم الاثنين ثالث وعشرين الشهر فاجتمع خلق عظيم ، فحضر وزير السلطان فقعد والمستوفي والشحنة ونظر وسديد الدولة وجماعة الفقهاء والقضاة وحضرت يومئذ فكان لا يحسن يعظ ولا ندار في ذلك . [ ص: 323 ]
وفي هذه السنة: فشا الموت في الناس حتى كان يموت في اليوم مائة نفس .
وفي خامس عشر جمادى الأولى: جاء العيارون ليلا إلى سفينة قد ملئت رجالا وأموالا كثيرة لتنحدر إلى واسط ، فحلوا رباطها من تحت التاج ، وأحدروها وأخذوا ما فيها ، وكان السلطان في بغداد .
وفي هذا الشهر: أعيدت بلاد الخليفة ومعاملاتها إليه والتركات ، واستقر عن ذلك عشرة آلاف دينار .
وفي رابع وعشرين هذا الشهر: أشهر أربع نسوة في الأسواق على بقر السائقين مسودات الوجوه لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال .
وفي يوم السبت حادي عشر جمادى الآخرة: عاد السلطان إلى بغداد بعد أن كان قد خرج ، وكان السبب مكاتبة وردت من الموصل إلى دار الخلافة ، فأنفذت إليه فاستعادوه ، وحكى أنه كان في المكاتبة أن عسكر الموصل والخليفة قد تحركوا للمجيء .
وفي شعبان: ضربت الطبول على باب النوبي وجلس حاجب الباب والقاضي ابن كردي وقرءوا منشورا يشتمل معناه على الخطبة للمقتفي ولمسعود ، والخلع على قاضي القضاة وإقبال وانحدارهم إلى بغداد ، وأن قاضي القضاة جمع الجموع في الموصل وحكم بالكتب التي وصلت إليه ، وأن لما علم بهذا ذهب نحو الراشد مراغة .
وفي هذا الشهر: عادت الجبايات مرة خامسة على الناس بعنف وشدة ظلم .
وقبض الشحنة على أبي الكرم الوالي إلى رباط أبي النجيب ، فتاب وحلق شعره ولبس خرقة التصوف استقالة من الظلم ، ثم خلع عليه وأعيد إلى شغله . [ ص: 324 ]
وعملت عملة عظيمة بباب الأزج أخذ فيها شيء بألوف دنانير ، وكانت خبازة تخبز لأولئك القوم ، فحدثت ابنها بمالهم الكثير فحدث ذلك الرجل رفقة له من العيارين ، فجاءوا في الليل فنقلوا ما في الدار فقالت صاحبة الدار لأمها: لما خرجوا نحمد الله إذ لم يدخلوا العرضي فإن فيه الحبوب والأمتعة ، فسمعوا فعادوا ودخلوا وأخذوا ذلك ، وقالوا:
لا تتهموا أحدا نحن الحماة بالموضع الفلاني ، فسمع الجيران ومضوا فأخذ الشحنة أقواما من أولئك فصلبهم على جذوع ، ثم أخذ منهم أموالا وحطهم في عافية .
وفي ليلة الثلاثين: لم ير الهلال ، وكانت السماء مصحية فأصبح الناس صائمين لتمام ثلاثين يوما ، فلما كانت ليلة إحدى وثلاثين لم ير الهلال أيضا وكانت السماء جلية صاحية ، ومثل هذا لا يعرف فيما مر من التواريخ .
ومن العجائب أن ثلاثة من العيارين وقفوا في طريق الظفرية ليلا ، فمر بهم أبو العز الحمامي فأخذوا ثيابه ثم تطلبوا وأخذ منهم اثنان ، فلما كان بعد يومين جاء الثالث [هاربا] من الرجالة ، فدخل الحمام الذي فيه أبو العز الذي أخذت ثيابه فخلع الثياب على الفرند وهي قميصان وخشية فرآها الحمامي فعرفها فدخل إليه ، وقال له: من أين لك هذه الثياب؟ فأقر أنه أخذها منه تلك الليلة ، فنفذ إلى المستخدمين فأخذوه ولم يجدوا كتافا ففتشوا جيبه لعلهم يجدون شيئا من الذهب ، فوجدوا حبلا مهيأ للكتاف فكتفوه .