[خروج الوزير عميد الدولة أبي منصور]
وفي ثامن عشر ربيع الآخر: خرج الوزير عميد الدولة أبو منصور فخط السور على الحريم وقدره ومعه المساح ، وتقدم بجبايات المال الذي يحتاج إليه عقارات الناس ودورهم ، وأذن للعوام في الفرجة والعمل ، وحمل أهل المحال السلاح والأعلام والبوقات والطبول ، ومعهم المعاول والسبسلات وأنواع الملاهي من الزمور والحكايات والخيالات ، فعمل أهل [باب] المراتب من البواري المقيرة على صورة الفيل وتحته قوم يسيرون به ، وعملوا زرافة كذلك ، وأتى أهل قصر عيسى بسميرة كبيرة فيها الملاحون يجدفون ، وهي تجري على هاذور ، وأتى أهل سوق يحيى بناعورة تدور معهم في الأسواق ، وعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل ، وفيها غلمان يضربون بقسي البندق والنشاب ، وأخرج قوم بئرا على عجل وفيها حائك ينسج ، وكذلك السقلاطونيون ، وكذلك الخبازون ، جاءوا بتنور وتحته ما يسير به والخباز يخبز ويرمي الخبز إلى الناس .
وكتب إلى الوزير أبو الوفاء بن عقيل إحراق العوام بالشريعة في بناء السور ، فكان فيه مما نقلته من خطه: لولا اعتقادي صحة البعث ، وأن لنا دارا أخرى -لعلي أكون فيها على حال أحمدها- لما بغضت نفسي إلى مالك عصري ، وعلى الله أعتمد في جميع ما أورده بعد أن أشهده أني محب متعصب ، لكن إذا تقابل دين محمد ودين ابن جهير بني جهير فوالله ما أزن هذه بهذه ، ولو كنت كذلك كافرا ، فأقول: إن كان هذا الخرق الذي جرى بالشريعة عن عمد لمناصبة واضعها فما بالنا نعتقد الختمات ورواية الأحاديث؟! وإذا نزلت بنا الحوادث تقدمنا مجموع الختمات والدعاء عقيبها ، ثم بعد ذلك [ ص: 17 ] طبول وسواني ومخانيث وخيال وكشف عورات الرجال مع حضور النساء إسقاطا لحكم الله ، وما عندي يا شرف الدين [أن فيك] أن تقوم لسخطة من سخطات الله ، ترى بأي وجه تلقى محمدا صلى الله عليه وسلم؟! بل لو رأيته في المنام مقطبا كان ذلك يزعجك في يقظتك ، وأي حرمة تبقى لوجوهنا وأيدينا وألسنتنا عند الله إذا وضعنا الجباه ساجدة ، ثم كيف نطالب الأجناد تقبيل عتبة ولثم ترابها ، ونقيم الحد في دهليز الحريم صباحا ومساء على قدح نبيذ مختلف فيه؟! ثم تمرح العوام في المنكر المجمع على تحريمه ، هذا مضاف إلى الزنا الظاهر بباب بدر ، ولبس الحرير على جميع المتعلقين والأصحاب .
يا شرف الدين اتق سخط الله؛ فإن سخطه لا تقاومه سماء ولا أرض ، فإن فسدت حالي بما قلت ، فلعل الله يلطف بي ويكفيني حوائج الطباع ، ثم لا تلمنا على ملازمة البيوت والاختفاء عن العوام؛ لأنهم إن سألونا لم نقل إلا ما يقتضي الإعظام لهذه القبائح ، والإنكار لها ، والنياحة على الشريعة ، أترى لو جاءت معتبة من الله سبحانه في منام ، أو على لسان نبي أن لو كان قد بقي للوحي نزول ، أو ألقي إلى روع مسلم بإلهام ، هل كانت إلا إليك؟! فاتق الله تقوى من علم مقدار سخطه ، فقد قال: فلما آسفونا انتقمنا منهم [43: 55] وقد ملأتكم في عيونكم مدائح الشعراء ، ومداجاة المتمولين بدولتكم ، الأغنياء الذين خسروا الله فيكم ، فحسنوا لكم طرائقكم ، والعاقل من عرف نفسه ، ولم يغيره مدح من لا يخبرها .
وفي شعبان: شهد أبو الخطاب الكلوذاني وأبو سعيد المخرمي .