ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم وأريقت الخمور ، وكسرت الملاهي ، ونقضت دور يلجأ إليها المفسدون . تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونودي بذلك في الأسواق ،
وفيه: قتل رجلان كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر وتأخذ أموال الناس وتنفقها عليهما ، ثم مالت إلى أحدهما دون الآخر ، فظفر به الآخر فقتله ، فظفرت بالقاتل أخت المقتول [فجرحته ، فجاء أخوها] فقتله فقبرا من ساعتهما .
وفيه: قتل منفوخة المسلحي بالكرخ بين السورين ، فرت الشحنة وكبس دار الطاهر نقيب الطالبيين ، وقد كان لجأ إليها جماعة من المتهمين ، فقبض عليهم وأخذ منهم أموالا ، فاتفقت السنة والشيعة على الاستغاثة على الشحنة ، فتغيب فطلبه الأتراك ، فأخذ مسحوبا إلى الباب فاعتقل ، وأمر برد ما أخذ وأخرج منفوخة فأحرق على بابه .
وفي صفر: المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين بن المعوج إلى الديوان فخلع عليه ، فحضره أرباب الدولة ، وخرج التوقيع بتقليده المظالم ، وكان فيه: "ولما رأى أمير المؤمنين في تقدم محمد بن محمد بن الحسين [ ص: 256 ] من العفاف والديانة والثقة والصيانة قلده المظالم ، وقد أخذ عليه [تقوى] الله وطاعته والسعي في كل ما كان يزلفه عنده ويقربه من أمير المؤمنين" فكان كل ما قرئ هذا قبل الأرض ، ثم خرج فجلس بباب النوبي ، ثم دعا الأمراء بالمعروف فكانوا أعوانه ، وكان صينا نزها .
وفي هذا الشهر: ثارت الفتنة بين السنة والشيعة ، وقتل جماعة منهم أبو الحسن بن المهتدي الخطيب ، وكانت الوقعة بين جامع المنصور والقنطرة العتيقة ، فتولى قتال أهل السنة العميد والشحنة ، ثم حاصر الطائفتان أياما فلم يقدر أحد أن يظهر ، فجبي لهما مال تولى جبايته النقيبان ، فتقدم أمير المؤمنين بالقبض على النقيبين [فحبس النقيبين] ، فأنكرا ما فعلا ، وألزم العميد الشحنة رد ما أخذا .
وفي هذا الشهر: قدم خدم ابن أبي هاشم [من مكة] بخرق الدم معلقة على حراب الأضاحي ، وخرج حجاب الديوان لتلقيهم ، وعادوا والقراء بين أيديهم ، فنزلوا وقبلوا العتبة الشريفة ، وصاروا إلى دار الضيافة ، فأدر عليهم ما جرت به العادة .
وبعث في هذه السنة صفائح ذهب وفضة لتعلق على الباب ففعل ذلك ، وقلع كل ما كان [على الباب مما] عليه اسم صاحب مصر ، وكتب اسم المقتدي .
وفي صفر أيضا: فخرج دخل عريف الصناع والفعلة والصناع معه على العادة إلى دار الخلافة ، المقتدي بالله يمشي في الدار ، فخرج إليه ثلاثة من الرجال فقبلوا الأرض وقالوا: نحن رجال من رؤساء نهر الفضل صودرنا وعوقبنا ، ولنا أربعة أشهر على الباب لم ينجز لنا حال ، فتوصلنا إلى أن دخلنا في حد الروزجارية فقال: فمن فعل بكم هذا؟ قالوا: ابن زريق الناظر بواسط ، فوعدهم الجميل فخرجوا ، وتقدم من ساعته [ ص: 257 ] بإيضاح الحال ، فإن كان كما ذكروا فليعزل عن أعمال ابن زريق واسط ، وليصعد به منكلا . ثم تقدم إلى صاحب المظالم أن لا يطوى حال أحد من الرعية ، ثم وصل أولئك وأحدرهم وأصحبهم من يستوفي من ما لهم ، وينفذ فيه ما تقدم به . ابن زريق
وفي جمادى الأولى: وصل الشريف العلوي الدبوسي ، كان قد استدعاه النظام للتدريس بمدرسته ببغداد فتلقي ، وكان بعيد النظر في معرفة الجدل ، فدرس في النظامية بعد موت أبي سعد المتولي .
وفي جمادى الآخر: بالعراق ، وكان عامة أمراضهم حمى الربع ، ثم يتعقبها الموت ، فلما كثر ذلك أمر بدأ الطاعون بتفرقة الأدوية والأشربة على المحال ، ثم فض عليهم المال . المقتدي
وفي هذا الشهر: بواسط فأحرقت سوق الصيدلة من الجانبين ، ووصل وقعت نار صدقة بن مزيد من المعسكر السلطاني من أصبهان فنزل النهروان ، وطلب من الديوان أن يتلقى كما كانت عادة أبيه فلم يجب إلى ذلك ، فعدل إلى بلاده .
وفي هذا الشهر: ملك شاه فنزل الموصل في رجب ، ثم مضى إلى قلعة جعبر ، وقد كان تحصن بها شاري يعرف سار بسابق بن جعبر في عدد من السلوح يغيرون ويلجئون إليها ، فراسله السلطان في تسليمها وأن يؤمنه على نفسه وماله ، فلم يجب ، فنصب العرادات ، ونقب السور ، وفتحت وقتل عامة من كان فيها ، وقبض على سابق ، وأرادوا قتله بالسيف ، فوقعت عليه زوجته وقالت: لا أفارقه أو تقتلوني معه ، فألقوه من أعلى السور فتكسر ، ثم ضرب بالسيوف نصفين فألقت نفسها وراءه فسلمت ، فقال لها السلطان: ما حملك على هذا؟ فقالت: إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا ، فخفت أن يخلو بي من الترك في القلعة ، فيقول الناس ما شاءوا . فاستحسن ذلك منها .
وفي رجب: خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت جزءا [ ص: 258 ] من كنيسة الخان ، وفتتت أسطوانة حتى صارت رميما ، وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارا ، فخر الناس على وجوههم ، وسقطت أخرى بخرابة ابن جردة فقتلت غلاما تركيا ، وسقطت أخرى على وقعت صاعقة في جبل آمد فصار رمادا ، ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار الشام .
وفي رمضان: كثرت الوحول في الطرقات ، فأمر أمير المؤمنين بتنظيفها ، وأقيم عدد من الفعلة لتنظيفها ومائة من البهائم لنقلها .
فنهض بعض المتفقهة وأورد أخبارا في مدح الصحابة ، وقال: ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها وفي أول يوم من شوال: حضر الموكب النقيبان والأشراف والقضاة والشهود ، بمقابر قريش وربع الكرخ [والسنة ظاهرة] ويد أمير المؤمنين الباسطة القاهرة . فطولع بما قال ، فخرج [التوقيع] بما معناه: أنهى ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عنهما ، وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة التي استوجبوا بها النكال ، واستحقوا العظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ولولا ما تدرع به من جلباب الحلم ، وأسباب يتوخاها لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن وربع الكرخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب "بالصلاة خير من النوم" وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد ليجري على هذه السنة في بلاده فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . [ ص: 259 ]
وفي شوال: وأنه بسعادة الخدمة فتح وصل رسول السلطان بكتب تتضمن الدعاء للمواقف المقدسة ، والاعتذار من تأخره عن الخدمة ، حلب ، وأنطاكية ، والرها ، وقلعة جعبر ، وطرفا من بلاد الروم ، وهو في أثر هذه الخدمة ، فخرج من بغداد النقيبان طراد والمعمر ، فخدماه بالموصل ، وتلاهما عفيف ، ثم ذوو المناصب ، فلما وصل الصالحين نفذ من الإقامات ما لا يحصى ، وخرج الموكب لتلقيه فتوجه الوزير أبو شجاع والنقيبان والجماعة والقراء والطبول والبوقات فبلغوه عن المقتدى [بأمر الله] السلام والتهنئة بالتقدم ، فقام وقبل الأرض ثم دخل بغداد .