ثم دخلت سنة خمس وسبعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الثلاثاء حادي عشر صفر جلال الدولة أجاب إلى تزويج ابنته من الخليفة ، وأن ورد بشير أن السلطان فخر الدولة أخذ يده على ذلك ، وكان الخليفة قد تقدم إلى الوزير فخر الدولة بالخروج إلى أصبهان لذلك ، فخرج ومعه الهدايا والألطاف بنحو من عشرين ألف دينار ، فوصل إلى أصبهان ، فخرج نظام الملك والأمراء فاستقبلوه ، واتفق أن توفي داود ابن السلطان ، وانزعج السلطان لذلك ، فلما انقضى الشهر خاطب فخر الدولة نظام الملك في هذا فقال: ما استقر في هذا شيء ، فإن رأيتم أن تجردوا الطلب من والدة الصبية . فقيل له: أنت الذي تتولى هذا . فمضى إليها فقال لها : إن أمير المؤمنين راغب في ابنتك . فقالت: قد رغب إلي في هذا ملك غزنة [بابنه] وغيره من الملوك ، وبذل كل واحد أربعمائة ألف دينار ، فإن أعطاني أمير المؤمنين هذا القدر كان هو أحب إلي ، فقال لها: رغبة أمير المؤمنين لا تقابل بهذا .
وجرى في ذلك مراجعات انتهت إلى تسليم خمسين ألف دينار عن حق الرضاع ، وهذه عادة الأتراك عند التزويج ، ومائة ألف دينار بكتب المهر . فقيل لها: ما في صحبتنا مال معجل ونحن نحصل ها هنا عشرة آلاف ، وننفذ من بغداد أربعين ألفا . فوقع الرضا بهذا ، وشرع في تحصيل العشرة آلاف ، فلم يكن لها وجه ، وعرف السلطان ذلك فتقدم [ ص: 223 ] بتأخيره لينفذ الكل من بغداد . وقالت خاتون: إذا ملكت ابنتي بأمير المؤمنين فأريد أن يخرج إلي أمه وعمته وجدته ، ومن يجري مجراهن من أهل بيته ، والمحتشمون من أهل دولته ، وأحضر خواتين غزنة ، وسمرقند ، وخراسان ، ووجوه البلاد ، ويكون العقد بمحضرهم . فطلب الوزير فخر الدولة أن تعطيه يدها على ذلك لتقع الثقة ، فأعظم نظام الملك عندها أن تردها بغير قضاء حاجته ، فأذن السلطان في ذلك وأعطى يده ، وكانت من خاتون اقتراحات منها: أن لا يبقى في دار الخليفة سرية ولا قهرمانة ، وأن يكون مقامه عندها .
مؤيد الملك إلى بغداد] [وصول
ووصل في جمادى الآخرة مؤيد الملك إلى بغداد ، فخرج الموكب لتلقيه إلى النهروان ، وخرج إليه أبو العميد الدولة فلقيه في الحلبة ، وضربت له الدبادب والبوقات في وقت الفجر والمغرب والعشاء بإزاء دار الخلافة ، فثقل ذلك ، وروسل حتى تركه .
وفي يوم الأحد سلخ شعبان: وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب ، فاستدعي صاحب المعونة والحارس ، وأمر بالاستكشاف عن هذا ، فقال بعض المجتازين: هاهنا إنسان أعرج يخبز القطائف ، يعرف هذه الأمور . فاستدعوه وتقدموا إليه بالبحث عن هذا فذكر أن بعض المماليك الأتراك فعل هذا ، فأحضر الغلام فأنكر [وبهته الأعرج] فقال بعض الرجالة: على المرأة آثار تبن وهذا يدل على أنها قتلت في موضع فيه تبن . فقيل له: فتش الدور هناك ، فبدأ بدار الأعرج ، فرأى التبن ، فنبش تحت الدرجة فوجد حليا ودنانير كانت مع المرأة ، فبهت الأعرج وحمل إلى الوزير فاستخلاه ولطف به ، فأقر بأنه في هذه الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل ، وأنها أخذت من الرجل قراريط ، وأنه طالبها بأجرته فقالت: خذ ما تريد . فوقع عليها [ ص: 224 ] فقتلها ، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير ، ورمى بها ، فسمع الشهود إقراره بذلك فحبس ، وحضرت ابنة المرأة وطالبت بقتله فقتل في يوم السبت سادس رمضان بالحلبة ، ودفن هناك .
وفي شوال: وأوسع وعمل له منبر جديد ، وقد كان تكاملت عمارة جامع القصر المتصل بدار الخلافة ، وبني ما كان فيه خرابا ، فخر الدولة عمل فيه سقاية ، وأجرى فيها الماء من داره في قنى تحت الأرض ، وجعل لها فوارات ، فانتفع الناس بذلك منفعة عظيمة .