ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا منصور بن يوسف انتقل عن معسكر قريش إلى داره بدرب خلف بعد أن حمله وجمع بينهما حتى رضي عنه ، البساسيري ، وأصلح بينه وبينه ، والتزم أبو منصور له شيئا قرره عليه ، وركب إليه في هذا اليوم نظرية لجاهه ، وخاطبه بالجميل ، وطيب نفسه بما بذله له ، ووعده به ، وركب البساسيري قريش بن بدران من غد إليه أيضا ، وعاد جاهه طريا إلا أنه خائف من البساسيري .
وفي هذا الشهر: كتبت والدة الخليفة إلى من مكان كانت فيه مستترة [رقعة] تشرح فيها ما لحقها من الأذى والضرر والفقر ، حتى إن القوت يتعذر عليها ، فأحضرها ، وهي جارية أرمينية قد ناهزت التسعين واحدودبت ، وأفرد لها دارا في الحريم الطاهري ، وأعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجرى عليها في كل يوم اثني عشر رطلا خبزا وأربعة أرطال لحما . البساسيري
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر: أحضر قاضي القضاة البساسيري أبا عبد الله الدامغاني ، وأبا منصور بن يوسف ، وأبا الحسين بن الغريق الخطيب ، وجماعة من وجوه العلويين والعباسيين ، وأخذ عليهم البيعة للمستنصر بالله ، واستحلفهم له ، ودخل إلى دار الخلافة بعد أيام وهؤلاء الجماعة معه .
[ ص: 45 ]
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول: إلى ما يقارب الحريم الطاهري ، ونصبت على أبي القاسم ابن المسلمة دجلة . نقلت جثة
وفي بكرة الثلاثاء رابع هذا الشهر ، خرج إلى زيارة المشهد البساسيري بالكوفة على أن ينحدر من هناك إلى واسط ، واستصحب معه غلة في زورق ليرتب العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي ، ويجريه إلى المشهد بالحائر؛ وفاء بنذر كان عليه ، وأنفذ من ابتدأ بنقض تاج الخليفة ، فنقضت شرافاته فقيل له: هذا لا معنى فيه ، والقباحة فيه أكثر من الفائدة ، فأمسك عن ذلك .
ثم إن ظفر بأخيه طغرلبك إبراهيم فقتله ، وقتل ألوفا من التركمان ، وأنفذ إلى السلطان قريش يلتمس خاتون ويخلط بذلك ذكر الخليفة ، ورده إلى مكانه ، فرد خاتون وأجاب عما يتعلق بالخليفة بأن ما جرى كان من فعل ابن المسلمة ، ومتى وقع تسرع في المسير إلى العراق فلست آمن أن يتم على الخليفة أمر يفوت وسبب يسوء ، ولسنا بحيث نقف لك ولا نحاربك ، وإنما نبعد وندعك ، فربما ماست العساكر من بلادها ففتحت البثوق وخربت السواد ، وأنا أتوصل في جميع ما يراد من البساسيري .
وراسل قريش يشير عليه بما التمسه السلطان البساسيري ويحذره المخالفة له ، ويقول: قد دعوت إلى السلطان على ستمائة فرسخ فخدمناه ، وفعلنا ما لم يكن يظنه ، ومضى لنا ستة أشهر مذ فتحنا طغرلبك ، العراق ما عرفنا منه خبرا ، ولا كتب إلينا حرفا ، ولا فكر فينا ، وقد عادت رسلنا بعد سنة وكسر صفرا من شكر وكتاب ، فضلا عن مال ورجال ، ومتى تجدد خطب فما يشقى به غيري وغيرك ، والصواب المهادنة والمسالمة ، ورد الخليفة إلى أمره ، والدخول تحت طاعته ، وأن يستكتب أمنه .