[هبوب ريح شديدة]
وفيها: هبت ريح شديدة ، وارتفعت معها سحابة ترابية فأظلمت الدنيا ، فاحتاج الناس في الأسواق إلى السرج .
وفيها: أبو منصور بن ناصر السياري على أهل الذمة ، وألزمهم لبس الغيارات والعمائم المصبوغات ، وذلك عن أمر السلطان ، فصرفت ذلك عنهم احتسب خاتون ومنعت المحتسب .
وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة: ظهر في وقت السحر ذؤابة بيضاء طولها في رأي العين نحو عشرة أذرع ، في عرض نحو الذراع ، ومكثت على هذه الحال إلى النصف من رجب ، ثم اضمحلت ، وكانوا يقولون: إنه طلع مثل هذا بمصر فملكت ، وكذلك بغداد لما طلع هذا ملكت وخطب فيها للمصريين .
وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان: خرج الناس لترائي هلال شوال فلم يروه ، وصلى الناس التراويح على عادتهم ونووا صوم غدهم ، فلما كان بكرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف بالغريق الخطيب ، وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ، ووراءه المكبرون لابسين السواد على هيئته إلى جامع دار الخلافة فرآه مغلقا ، ففتحه ودخل وقال: اليوم يوم العيد ، وقد رئي الهلال البارحة بباب البصرة ، ورام الصلاة فيه ، وجمع الناس به ، وعرف رئيس الرؤساء الخبر فغاظه ذلك ، وأحفظه أن لم يحضر الديوان العزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال ، فراسله واستحضره [ ص: 7 ] فامتنع وقال: حتى أصلي وأعيد ، ثم نكفي إلى الديوان ، فروجع وأحضر وأنكر عليه إقدامه على فتح الجامع وهو مغلق ، وقد علم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق ، وقال له: قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز ، وتنهي الحال ليحيط به العلم الشريف ، ويتقدم فيما يوجبه ويقتضيه . وأغلظ له فيما خاطبه فاعتذر ، وقال: ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي ، وبعد أن وضحت الصورة عندي ، وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعا بمشاهدة الهلال ، فقطعت بذلك وحكمت وأفطرت وأفطر الناس في باب البصرة ، وخرجوا اليوم قاصدين جامع المدينة ، ولم أعلم أن هذا لم يشع ، فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقا ، ثم جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال .
فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة ما عندك في هذا؟ أبي عبد الله الدامغاني:
فقال: أما مذهب الذي هو مذهبي فلا يقبل مع صحو السماء ، وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين ، وأما مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه [الذي] هو مذهب [هذا] الشريف فإنه يقطع بشهادة اثنين في مثل هذا . الشافعي
وطولع الخليفة بالحال ، فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد ، فأمسك من كان أكل ، وكان والد القاضي أبي الحسين قد مضى إلى جامع القطيعة فصلى بالناس وعيد ، وكذلك في جامع الحربية ولم يعلموا بما جرى .
وفي هذه السنة: بمقابر قريش ، ومشهد العتيقة ، ومساجد الكرخ: "بالصلاة خير من النوم" ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان "حي على خير العمل" وقلع جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من "محمد أقيم الأذان في المشهد وعلي خير البشر" الكرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة ، فأنشدوا الأشعار في مدح [ ص: 8 ] الصحابة ، ودخل إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ البزازين بباب الطاق؛ لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقتل وصلب على باب دكانه ، وهرب وتقدم رئيس الرؤساء إلى ونهبت داره . أبو جعفر الطوسي ،
والكارة الخشكار الرديئة بسبعة دنانير ، وأتى وتزايد الغلاء ، فبيع الكر الحنطة بمائة وثمانين دينارا ، البساسيري الموصل ، فخطب بها للمصري ، فاستدعى عميد الملك محمد بن النسوي ، وتقدم إليه بإخراج أبي الحسن بن عبيد كاتب وقتله ، وكان قد أسلم في الحبس؛ ظنا أن ذلك ينجيه ، فقتل . البساسيري