ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه دخل أبو كاليجار همذان ودفع الغز عنها . وأن الأتراك شغبوا في جمادى الآخرة وتبسطوا في أخذ ثياب الناس وخطف ما يرد إلى البلد وغرقوا امرأتين من نساء أصحاب المسالح وكثر الهرج إلى أن وعدوا بإطلاق أرزاقهم .
وفي شوال: سقطت قنطرة بني زريق على نهر عيسى والقنطرة العتيقة التي تقاربها وورد رجل من البلغر ذكر أنه من كبار القوم في خمسين رجلا قاصدا للحج فروعي من دار الخلافة بنزل يحمل إليه وكان معه رجل يعرف بيعلى ابن إسحاق الخوارزمي ويدعى بالقاضي فسئل في الديوان عن البلغر من أي الأمم هم فقال هم قوم تولدوا من بين الترك والصقالبة وبلادهم في أقصى بلاد الترك وكانوا كفارا ثم ظهر فيهم الإسلام وهم على مذهب ولهم عيون تجري في أنهار وزروعهم على المطر وعندهم كورات العسل وحكي أن الليل يقصر عندهم حتى يكون ست ساعات وكذلك النهار . أبي حنيفة
وفي هذه السنة: قرئ الاعتقاد القادري في الديوان .
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال أخرج الإمام أمير المؤمنين القائم بأمر الله أبو جعفر ابن القادر بالله في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة الاعتقاد القادري الذي ذكره القادر فقرئ في الديوان وحضر الزهاد والعلماء وممن حضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني فكتب خطه تحته قبل أن يكتب الفقهاء وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر [ ص: 280 ] وهو ، يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له [شريك] في الملك وهو أول لم يزل وآخر لا يزال قادر على كل شيء غير عاجز عن شيء إذا أراد شيئا قال له كن فيكون غني غير محتاج إلى شيء لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يطعم ولا يطعم لا يستوحش من وحده ولا يأنس بشيء وهو الغني عن كل شيء لا تخلفه الدهور والأزمان وكيف تغيره الدهور [والأزمان] وهو خالق الدهور والأزمان والليل والنهار والضوء والظلمة والسموات والأرض وما فيها من أنواع الخلق والبر والبحر وما فيهما وكل شيء حي أو موات أو جماد كان ربنا وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجته إليه فاستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة كما يستريح الخلق وهو مدبر السموات والأرضين ومدبر ما فيهما ومن في البر والبحر ولا مدبر غيره ولا حافظ سواه يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون والخلق كلهم أجمعون وهو القادر بقدرة والعالم بعلم أزلي غير مستفاد وهو السميع بسمع والمبصر ببصر يعرف صفتهما من نفسه لا يبلغ كنههما أحد من خلقه متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه عليه السلام وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهي صفة حقيقية لا مجازية ويعلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلم به تكليما وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل بعد ما سمعه جبريل منه فتلاه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وتلاه محمد على أصحابه وتلاه أصحابه على الأمة ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقا لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم [الله] به فهو غير مخلوق فبكل حال متلوا ومحفوظا ومكتوبا ومسموعا ومن قال إنه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ويعلم أن الإيمان قول وعمل ونية وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح وتصديق به يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو ذو أجزاء [ ص: 281 ] وشعب فأرفع أجزائه لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ولا بماذا يختم له فلذلك يقول مؤمن إن شاء الله وأرجو أن أكون مؤمنا ولا يضره الاستثناء والرجاء ولا يكون بهما شاكا ولا مرتابا لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه عن أمر آخرته وخاتمته وكل شيء يتقرب به إلى الله تعالى ويعمل لخالص وجهه من أنواع الطاعات فرائضه وسننه وفضائله فهو كله من الإيمان منسوب إليه ولا يكون للإيمان نهاية أبدا لأنه لا نهاية للفضائل ولا للمتبوع في الفرائض أبدا ويجب أن يحب [الصحابة من] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ونعلم أنهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ويشهد للعشرة بالجنة ويترحم على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سب سيدتنا علي بن أبي طالب رضي الله عنها فلا حظ له في الإسلام ولا يقول في عائشة رضي الله عنه إلا خيرا ولا يدخل في شيء شجر بينهم ويترحم على جماعتهم ، قال الله تعالى: معاوية والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم وقال فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها لقوله صلى الله عليه وسلم: بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر ولا يزال كافرا حتى يندم ويعيدها فإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد لم يصل عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف ، وسائر الأعمال لا يكفر بتركها وإن كان يفسق حتى يجحدها ، ثم قال: هذا قول أهل السنة والجماعة الذي من تمسك به كان على الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم ورجا به النجاة من النار ودخول الجنة [ ص: 282 ] إن شاء الله تعالى ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم وعلم: وقال عليه السلام: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين ولعامتهم أيما عبد جاءته موعظة من الله تعالى في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها يشكر وإلا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثما ويزاد بها من الله سخطا جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين .