ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد الكتاب من عكبرا بأن قوما من أهلها اجتمعوا [في] ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم في ذلك ، وصعدت طائفة منهم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفسا منهم ست نسوة إحداهن حبلى .
وفي يوم الجمعة التاسع من جمادى الأولى: حضر أبو الحسن ابن القزويني الزاهد الجامع والخطيب على المنبر فاختلط الناس بين آت معه وناهض لتلقيه ومتشوق إلى رؤيته ، ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة ، فقاموا ووقفوا طويلا إلى أن عرفوا الحال ، فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر ، فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة ، فوقف عليه ابن المذهب الواعظ فحمد الله وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية: "أنكم ترون ربكم" . فناداه ابن التميمي الواعظ! اذكر في كل باب حديثا ، فلم يلتفت إلى قوله ، فقام التميمي فتخطى رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده ، وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال: إن رأى الشيخ الزاهد أن يقول قولا تسمعه الجماعة فيروونه عنه . فقال: بلغهم عني أن القرآن كلام الله ، وأن الجدال بدعة ، والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا .
وفي رجب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار ، وحلف له أيضا أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر . [ ص: 264 ]
وفي سلخ رجب: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة ، واستدعى جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود ، وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه ، وكان في التوقيع: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام دينا وارتضاه وشرفه [وأعلاه] وبعث به محمدا واجتباه وأذل من ناواه ، فقال تعالى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وقال: ليظهره على الدين كله وأمير المؤمنين يرى أن من أقرب الوسائل إلى الله به بقاء ما كان حافظا للشرع ومجددا لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون [فرضوا] على أهل الذمة المعاهدين حدودا معقودة على الاستشعار والإخبات والاستكانة ، والتفرد عن المسلمين إعظاما للإسلام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس ، وتشبهت بالمسلمين في زيهم ، فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة ، فليعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين" فقالوا: السمع والطاعة . وفي رمضان: استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك ، فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء بالآجر ، ووقعت فتنة ، وكتب إلى الفقهاء في ذلك ، فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية ، وقد قال الله تعالى: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وقال تعالى: وكان وراءهم ملك وإذا كان في الأرض طول جاز أن يكون بعضهم [ ص: 265 ] فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض ، وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين .
وكتب أن إطلاق ملك الملوك جائز ويكون معناه ملك ملوك الأرض فإذا جاز أن يقال كافي الكفأة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة ، وفيه قولهم: اللهم أصلح الملك فينصرف الكلام إلى المخلوقين . أبو الطيب الطبري
وكتب التميمي نحو ذلك ، وقد حكي عن قاضي القضاة أنه كتب قريبا من ذلك ، وذكر أبي الحسن الماوردي محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن منع من جواز ذلك ، وكان مختصا بخدمة جلال الدولة ، فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته ، واستدعاه الماوردي جلال الدولة بكرة يوم العيد ، فمضى على وجل شديد يتوقع المكروه ، فلما دخل على الملك قال له: أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك مع كونك أكثر الفقهاء مالا وأوفاهم جاها وحالا وما حملك على مخالفتي إلا الدين ، وقد قربك ذلك مني وزاد محلك في قلبي ، وقدمتك على نظائرك عندي .
قال المصنف: الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي ، لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع ، ولكن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل .
خبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين ، أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا ، قال: حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة ، قال "أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك" . أحمد : سألت أبا عمر والشيباني عن أخنع ، فقال: أوضع .
أخرجه عن البخاري علي ، وأخرجه عن الإمام مسلم أحمد كلاهما ، عن سفيان ، وقال سفيان: هو مثل شاهنشاه . [ ص: 266 ]
وأخرجه من حديث مسلم همام ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة ، "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل يسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله" .
وأخبرنا أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب ، أحمد بن جعفر ، حدثنا ، قال: حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن الخلاس ، عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة ، " . "اشتد غضب الله على رجل قتله نبيه ، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله سبحانه وتعالى