ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها :
أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم ، وتحالفوا على اتفاق الكلمة ، وأخرجوا الخيم ، وأخرجوا أكابر الأصفهلارية معهم ، فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم ، ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها : نحن عبيد أمير المؤمنين ، وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه بالعود إلى البصرة ، وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائبا عنه في مراعاتنا ، فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة ، وأنفذ إليه ، المرتضى وأبو الحسن الزينبي ، وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه ، فقال : كل ما ذكروا من إغفالنا لهم صحيح ، ونحن معتذرون عفا الله عما سلف ، ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدي إلى مرادهم ، فلما بلغهم ذلك ، قالوا :
فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلا قبل دخولنا إلى منازلنا ، ثم تقرر القواعد بعد ذلك ، وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم ، فلم يرضهم ، وباكروا فنهبوا دار الوزير [أبي علي ] بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي ، وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة ، ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام ، ووكلوا جماعة منهم بأبواب [ ص: 191 ] دار المملكة ، ومنعوا من دخول الطعام والماء ، فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان ، وشربوا من الآبار ، فخرج الملك ودعا قوما من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان : بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم ، فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك ، فقال : إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار ، واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث ، فقال : يكون نزولي بالليل ، فقالوا ، لا بل الآن ، والغلمان يرونه قائما فلا يسلمون عليه ، ويدعوهم فلا يجيبونه ، فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم ، فخرج وفي يده طبر وقال : قد بلغ الأمر إلى الحرم ، فقال بعضهم : ارجع إلى دارك فإنك ملكنا ، وصاحوا : جلال الدولة يا منصور ، وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ حتى حلي النساء فصرفه إليهم ، وأخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة ، فلم يف ببعض المقصود ، ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله ، فقال : لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت ، وكان فيها كيس وسفرة وطست .
وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح ، فلما جاءت هذه السنة ، فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي ، عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد دجلة ، ووقفت العروب واشتد البرد فجمدت حافات بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها ، وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف .
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان ، وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل مصر ، ومضى قوم من خراسان إلى مكران فركبوا في البحر من هناك إلى جدة فحجوا .