ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة
الرضي أبي الحسن الموسوي نقابة الطالبيين ] [تقليد
فمن الحوادث فيها : أنه قلد الرضي أبو الحسن الموسوي يوم الجمعة السادس عشر من المحرم نقابة الطالبيين في سائر الممالك ، وورد له عهد بذلك من حضرة ، وقرئ في دار بهاء الدولة فخر الملك بحضرته بعد أن جمع الأكابر من الأشراف والقضاة والعلماء والجند ، وخلعت عليه خلعة سوداء ، وهو أول طالبي خلع عليه السواد .
فخر الملك إلى كنف اليهودي بالنهروان ] [خروج
وفي يوم الأربعاء سادس صفر : خرج فخر الملك إلى بثق اليهودي بالنهروان فعمل فيه حتى أحكمه ، وأخذ بيده باقة قصب فطرحها فوافقه الناس ، وحملوا التراب على رءوسهم ، ووقع في بعض الجسور والفوارات رجلان من السوادية ، فطرح التراب والقصب عليهما فهلكا وبات فخر الملك ساهرا ليلته ، قائما على رجله والرجال يعملون ، حتى ثبت السكر ثم رتب العمال في كل رستاق وعمر البلاد ، فارتفع في تلك السنة بحق السلطان بضعة عشر ألف كر وخمسون ألف دينار . [ ص: 90 ]
وفي هذا الشهر : ورد الخبر على فخر الملك من الكوفة ، بأن أبا فليتة ابن القوي سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة رجل ، فنزح الماء في مصانع البرمكي ، والريان وغورها ، وطرح في الآبار الحنظل ، وأقام يراصد ورودهم ، فلما وردوا العقبة [في ] يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر اعتقلهم هناك ، ومنعهم الاجتياز ، وطالبهم بخمسين ألف دينار فامتنعوا من تقرير أمره على شيء ، وضعفوا عن الصبر ، وبلغ منهم العطش فهجم عليهم فلم يكن عندهم دفع ولا منع ، فاحتوى على الجمال والأحمال والأموال فهلك من الناس الكثير ، وقيل : هلك خمسة عشر ألف إنسان ولم يفلت إلا العدد اليسير ، وأفلت أبو الحارث بن عمر العلوي وهو أميرهم في نفر من الكبار على أسوأ حال ، وفي آخر رمق خلص من خلص بالتخفير من العرب وركوب الغرر في المشي على القدم ، وكان فخر الملك حينئذ مقيما على سد الشق فورد عليه من هذا الأمر أعظم مورد وكاتب عامل الكوفة بأن يحسن إلى من سلم ويعينهم وكاتب علي بن مزيد ، وأمره أن يطلب العرب الذين فعلوا هذا ويوقع بهم بما يشفي الصدر منهم [وندب ] من يخرج لمعاونته فسار ابن مزيد فلحق القوم في البرية وقد قاربوا البصرة ، فأوقع بهم وقتل الكثير منهم ، وأسر ابن القوى أبا فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، ووجد الأحمال والأموال قد تمزقت ، وأخذ كل فريق من ذلك الجمع طرفا ، فانتزع ما أمكنه انتزاعه وعاد إلى الكوفة ، وبعث بالأسراء إلى بغداد فشهروا وأودعوا الحبس ، وأجيع منهم جماعة وأطعموا المالح ، وتركوا على دجلة حتى شاهدوا الماء حسرة وماتوا عطشا هناك ، وأوقع أبو الحسن بن مزيد [ ص: 91 ] بخفاجة بعد سنين فأفلت من أسروه من الحاج ، وكانوا قد جعلوهم رعاة لأغنامهم ، فعادوا وقد قسمت تركاتهم وتزوجت نساؤهم .