ذكر المقتدر بيعة
ولما اشتدت علة في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ، سأل عن أخيه المكتفي أبي الفضل جعفر ، فصح عنده أنه بالغ فأحضر [في] يوم ، الجمعة لإحدى عشرة ليلة [خلت] من ذي القعدة القضاة فأشهدهم أنه قد جعل العهد إليه ، وبويع بالخلافة بعد وفاة سحر يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة . ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات ، وما زال يرفع صوته بالدعاء والاستخارة فبويع ولقب المكتفي وهو ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يوما ولم يكن ولي الخلافة قبله [أحد] أصغر منه . "المقتدر بالله"
أنبأنا جماعة من مشايخنا ، عن أبي منصور بن عبد العزيز ، قال: بلغ في شعبان قبل جلوسه في الخلافة بثلاثة أشهر ، وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار ، ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار ، ومن الفرش والآلة والجوهر ما يزيد قيمته على الكل ، واستوزر المقتدر [ ص: 61 ] جماعة ، منهم: المقتدر أبو أحمد العباس بن الحسن بقي في وزارته أربعة أشهر وسبعة أيام وقتل ، وأبو الحسن علي بن محمد بن الفرات بقي ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما ، ثم قبض عليه وحبس ، ثم أعيد إلى الوزارة فبقي سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما ، [ثم قبض عليه ، ثم أعيد دفعه ثالثة فبقي عشرة أشهر وثمانية عشر يوما] ، ثم قبض عليه وقتل .
[واستوزر] بعد مديدة أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، بقي سنة وشهرا وخمسة أيام ، [وقبض عليه . وبعده] أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح بقي ثلاث سنين وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما ، وقبض عليه ، ثم أعيد فبقي سنة وأربعة أشهر ويومين وقبض عليه ، [وبعده] أبو محمد حامد بن العباس بقي أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما ، ثم قبض عليه وقتل ، [وبعده] أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان بقي سنة وستة أشهر ويومين ، ثم قبض عليه ، [وبعده] أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد الخصيب بقي سنة وشهرين وقبض عليه . [وبعده] أبو علي محمد بن علي بن مقلة بقي سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام وقبض عليه . [وبعده] أبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذي بقي [ ص: 62 ] شهرين [وثلاثة أيام] وقبض عليه [وبعده] أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بقي سنة وشهرين وتسعة أيام وقبض عليه [وبعده] أبو علي الحسين بن القاسم بن عبيد الله بقي سبعة أشهر وقبض عليه . [وبعده] أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات بقي خمسة أشهر وتسعة وعشرين يوما وقتل فاستتر المقتدر بالله الفضل .
وكان ستة حجاب ، للمقتدر سوسن [مولى ، ثم المكتفي] نصر القشوري ، ثم أحمد بن نصر القشوري ، ثم ياقوت ، ثم محمد وإبراهيم ابنا رائق .
وكان أطباؤه سنان بن ثابت ، وبختيشوع بن يحيى: ورد رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه من التوسع في الطعام والوظائف ، وفرق في المقتدر بني هاشم عشرة آلاف دينار ، وتصدق في سائر الناس بمثلها ، وأضعف لبني هاشم أرزاقهم . وفرق [في] يوم التروية ويوم عرفة من البقر [والغنم] ثلاثين ألف رأس ، ومن الإبل ألف رأس ، وأطلق أهل الحبوس الذين يجوز إطلاقهم ، وأمر محمد بن يوسف القاضي أن ينظر في أمور سائر الناس ، وكانت قد بنيت أبنية في الرحبة دخلها في كل شهر ألف دينار فأمر بنقضها ليوسع على المسلمين . [ ص: 63 ]
أخبرنا قال: أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: خلع أبو بكر أحمد بن علي ، في زمان خلافته مرتين وأعيد ، فأما المرة الأولى فكانت بعد استخلافه بأربعة أشهر وسبعة أيام ، وذلك عند قتل المقتدر العباس بن الحسن الوزير وفاتك مولى واجتماع أكثر الناس المعتضد ، [ببغداد] على البيعة لأبي العباس عبد الله بن المعتز ولقبوه المرتضي بالله ، وخلع واحتجوا في ذلك بصغر سنه وقصوره عن بلوغ الحكم ، ونصبوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ثم بايعوا له بالخلافة ، ثم فسد الأمر وبطل من الغد وثبت أمر ابن المعتز وجددت له البيعة الثانية في يوم الاثنين ، فظفر المقتدر بالله ، بعبد الله بن المعتز فقتل وقتل جماعة ممن سعى في أمره ، والمرة الثانية في الخلع: بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته ، اجتمع القواد والجند والأكابر والأصاغر مع الخادم مؤنس ونازوك على خلعه فقهروه وخلعوه ، وطالبوه بأن يكتب رقعة بخطه بخلع نفسه ، ففعل وأشهد على نفسه بذلك ، وأحضروا محمد بن المعتضد [بالله] فنصبوه وسموه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، وذلك يوم السبت للنصف من المحرم سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، فأقام على ذلك يوم السبت ويوم الأحد ، فلما كان يوم الاثنين اختلف الجند وتغير رأيهم ووثب طائفة منهم على القاهر بالله نازوك وعبد الله بن حمدان المكنى بأبي الهيجاء فقتلوهما وأقيم من مجلس الخلافة وأعيد القاهر إلى داره ، وجددت له بيعة ، وكان قد تبرأ من الأمر يومين وبعض الثالث ولم يكن وقع المقتدر بالله للقاهر بيعة في رقاب الناس .