بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة سنة تسع وثمانين ومائتين]
باب ذكر المكتفي بالله خلافة
واسمه علي بن المعتضد ، ويكنى أبا محمد ، وليس في الخلفاء من يكنى أبا محمد إلا الحسن بن علي و [موسى ] الهادي ، والمكتفي ، والمستضيء بأمر الله ، ولا من اسمه علي غير رضي الله عنه علي بن أبي طالب والمكتفي .
ولد في رجب سنة أربع وستين ، وكان لما اشتدت علته أمر بأخذ البيعة لابنه المعتضد علي بالخلافة من بعده ، فأخذت البيعة بذلك على الناس ببغداد . في عشية يوم الجمعة لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر من هذه السنة [قبل موت بأربعة أيام] ، ثم جددت له البيعة صبيحة الليلة التي مات المعتضد فيها ، وكان المعتضد المكتفي بالرقة ، فلما بلغه الخبر أخذ البيعة على من عنده ، ثم انحدر إلى بغداد . [ ص: 4 ]
وأم تركية لم تدرك خلافته ويقال لها المكتفي حيحق . وكان ربعة جميلا ، رقيق اللون ، حسن الشعر ، وافر اللحية عريضها ، وهنأه رجل فقال:
أجل الرزايا أن يموت إمام وأسنى العطايا أن يقوم إمام فأسقي الذي مات الغمام وجاده
ودامت تحيات له وسلام وأبقى الذي قام الإله وزاده
مواهب لا يفنى لهن دوام وتمت له الآمال واتصلت بها
فوائد موصول بهن تمام هو المكتفي بالله يكفيه كل ما
عناه بركن منه ليس يرام
إنى كلفت فلا تلحوا بجارية كأنها الشمس بل زادت على الشمس
لها من الحسن أعلاه فرؤيتها سعدي وغيبتها عن مقتلي نحسي
من لي بأن يعلم ما ألقى فيعرف الصبوة والعشقا
ما زال عبدا لي وحبي له صيرني عبدا له حقا
أعتق من رقي ولكنني من حبه لا أملك العتقا
أخبرني الأزهري ، قال حدثنا: أحمد بن إبراهيم ، [حدثنا إبراهيم ] بن محمد بن [ ص: 5 ] عرفة قال: كان حين مات أبوه المكتفي بالله ] ، [المعتضد بالرقة فكتب إليه بوفاته ، فشخص نحو العراق فوافى مدينة السلام يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين ، وصار في الماء إلى القصر الحسني ، ومر بالجيش على الظهر [على غير تعبئة ، وقد كان الجند تحركوا قبل موافاته مدينة السلام ] فوضع فيهم العطاء ، وأخذ عليهم البيعة ، وكان في بيت المال يومئذ عشرة آلاف ألف دينار وجوهر قيمته عشرة آلاف ألف دينار ، غير الآلات والخيل ، وكان سن القاسم بن عبيد الله يوم بويع له خمسا وعشرين سنة وعشرين يوما ووزر له المكتفي ثم القاسم بن عبيد الله ، العباس بن الحسن ، وكان القاضي يوسف بن يعقوب وابنه محمد بن يوسف .
وكان نقش خاتمه: "علي يتوكل على ربه" .
وكان له من الولد: محمد ، وجعفر ، وعبد الصمد ، وموسى ، وعبد الله ، وهارون ، والفضل ، وعيسى ، والعباس ، وعبد الملك .
وفي أيامه فتحت أنطاكية ، وكان الروم قد استولوا عليها ، فلما فتحت استنقذ من المسلمين أربعة آلاف رجل ، وقتل من أهلها خمسة آلاف . وأصاب كل مسلم من هذه الوقعة ثلاثة آلاف دينار ، وظفر للروم بستين مركبا عملوها للغزو .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا قال: كانت صلاة الجمعة أبو بكر الخطيب ، ببغداد لا تقام إلا في جامع وجامع المنصور ، إلى أن استخلف المهدي وأمر بعمارة [ ص: 6 ] القصر الحسني ، وأمر ببناء مطامير في الدار ، وكان الناس يصلون الجمعة في الدار ، وليس هناك [رسم] للمسجد إنما يؤذن للناس في الدخول وقت الصلاة ، ويخرجون عند انقضائها ، فلما استخلف المعتضد ، في هذه السنة نزل القصر ، وأمر بهدم المطامير ، وأن يجعل موضعها مسجدا جامعا ، فاستقرت الصلاة في الجوامع الثلاثة إلى وقت خلافة المكتفي ، وفي يوم دخول المتقي إلى القصر الحسني أمر بإحضار المكتفي وخلع عليه ست خلع ، وقلده سيفا ، وحمل على فرس لجامه [وسرجه] من ذهب . القاسم بن عبيد الله ،
وفي رجب من هذه السنة زلزلت بغداد ، ودامت الزلزلة بها أياما وليالي كثيرة .
وفى هذه السنة ظهر أقوام من القرامطة ، وانتشروا في البلدان وقطعوا طريق الحاج ، وتسمى أحدهم بأمير المؤمنين ، وأنفق الأموال الكثيرة في حربهم حتى استأصلهم . المكتفي
وفى اليوم التاسع من ذي الحجة صلى الناس العصر ببغداد في ثياب الصيف فهبت ريح وبرد الهواء حتى احتاج الناس إلى الاصطلاء بالنار ، ولبس المحشو ، وجعل البرد يزداد حتى جمد الماء . [ ص: 7 ]
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي .