حرمت عليكم الميتة قالوا : الميتة الجامد [ على الظاهر ] الذي لا يلتفت إلى التأويل . وفي قوله :
وقالوا : إن الشاء والبقر التي تذبح هم الذين حضروا محاربة الأنبياء والأئمة ، يترددون في هذه الصور ، ويجب على الذابح أن يقول عند الذبح اللهم إني أبرأ إليك من روحه وبدنه ، وأشهد له بالضلالة اللهم لا تجعلني من المذبوحين .
ولهم من هذا الهذيان ما ينبغي تنزيه الوقت عن ذكره ، وإنما علمت هذه الفضائح من أقوام تدينوا بدينهم ، ثم بانت لهم قبائحهم فتركوا مذهبهم .
فإن قال قائل مثل هذه الاعتقادات الركيكة ، والحديث الفارغ ، كيف يخفى على من يتبعهم ، ونحن نرى أتباعهم خلقا كثيرا ، فالجواب أن أتباعهم أصناف فمنهم قوم ضعفت عقولهم ، وقلت بصائرهم وغلبت عليهم البلادة والبله ، ولم يعرفوا شيئا من [ ص: 298 ] العلوم كأهل السواد والأكراد ، وجفاة الأعاجم ، وسفهاء الأحداث ، فلا يستبعد ضلال هؤلاء ، فقد كان خلق ينحتون الأصنام ، ويعبدونها .
ومن أتباعهم طائفة انقطعت دولة أسلافهم بدولة الإسلام كأبناء الأكاسرة والدهاقين ، وأولاد المجوس ، فهؤلاء موتورون ، قد استكن الحقد في صدورهم ، فهو كالداء الدفين ، فإذا حركته تخائيل المبطلين اشتعلت نيرانه .
ومن أتباعهم قوم [ لهم ] تطلع إلى التسلط والاستيلاء ، ولكن الزمان لا يساعدهم ، فإذا رأوا طريق الظفر بمقاصدهم سارعوا .
ومن أتباعهم قوم جبلوا على حب التميز عن العوام ، فزعموا أنهم يطلبون الحقائق ، وأن أكثر الخلق كالبهائم ، وكل ذلك لحب النادر الغريب .
ومن أتباعهم ملحدة الفلاسفة والثنوية الذين اعتقدوا الشرائع نواميس مؤلفة ، والمعجزات مخاريق مزخرفة ، فإذا رأوا من يعطيهم شيئا من أغراضهم مالوا إليه .
ومن أتباعهم قوم مالوا إلى عاجل اللذات ، ولم يكن [ لهم ] علم ولا دين ، فإذا صادفوا من يرفع عنهم الحجر مالوا إليه . على أن هؤلاء القوم لا يكشفون أمرهم إلا بالتدريج على قدر طمعهم في الشخص .
وإنما مددنا النفس في شرح حالهم ، وإن كنا إنما ذكرنا بيتا من قصيدة لعظم ضررهم على الدين ، وشياع كلمتهم المسمومة ، وإنما اجتمعت الأسباب التي ذكرناها في وسط أيامهم ، وإلا فمعاندوا الشرائع منذ كانت خلق كثير . [ ص: 299 ]
وقد نبغ منهم قوم فأظهروا إمامة ، وقالوا : إن روح محمد ابن الحنفية محمد انتقلت إليه ، ثم انتقلت [ منه ] إلى أبي مسلم صاحب الدعوة ، ثم إلى ثم إلى رجل يعرف المهدي ، بابن القصري ، ثم خمدت نارهم ثم نبغ منهم في أيام رجل فاحتال ، فلم تنفذ حيلته ، ثم تناصروا في أيام المأمون ، وكاتبوا المعتصم الأفشين ، وهو رئيس الأعاجم ، فمال إليهم ، واجتمعوا مع بابك ، ثم زاد جمعهم على ثلاثمائة ألف ، فقتل منهم ستين ألفا ، وقتل المعتصم الأفشين أيضا ، ثم ركدت دولتهم .
ثم نبغ منهم جماعة وفيهم رجل من ولد بهرام جور ، وقصدوا إبطال الإسلام ، ورد الدولة الفارسية ، وأخذوا يحتالون في تضعيف قلوب المؤمنين ، وأظهروا مذهب الإمامية ، وبعضهم مذهب الفلاسفة ، وجعل لهم رأس يعرف بعبد الله بن ميمون بن عمرو ، ويقال : ابن ديصان القداح الأهوازي ، وكان مشعبذا ممخرقا ، وكان معظم مخرقته بإظهار الزهد والورع ، وأن الأرض تطوى له ، وكان يبعث خواص أصحابه إلى الأطراف معهم طيور ، ويأمرهم أن يكتبوا إليه الأخبار عن الأباعد ، ثم يحدث الناس بذلك ، فيقوى شبههم .
وكانوا يقولون : إن المتقدمين منهم يستخلفون عند الموت ، وكلهم خلفاء محمد بن إسماعيل [ بن جعفر ] الطالبي ، وأن من الدعاة إلى الإمام معدا أبا تميم ، وإسماعيل أباه ، وهم المتغلبون على بلاد المغرب ، ومن استجاب لهم عرفوه أنه أن [ ص: 300 ] عمل ما يرضيهم صار إماما ونبيا ، وأنه يرتقي المبتدئ منهم إلى الدعوة ، ثم إلى أن يكون حجة ، ثم إلى الإمامة ، ثم يلحق مرتبة الرسل ، ثم يتحد بالرب فيصير ربا ولا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه .