ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها . وأسند الحديث عن الحسن البصري وغيره . وروى عنه : هشام بن عروة أبو عبيدة ، وأبو عثمان المازني ، وأبو حاتم ، وغيرهم . وصحح روايته ابن المديني وقال : ما يحكي عن وكان ثقة أثنى عليه العرب [إلا الشيء] الصحيح .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرني علي بن أيوب قال : أخبرنا قال : أخبرني المرزباني قال : حدثنا الصولي محمد بن الفضل بن الأسود ، حدثنا علي بن محمد النوفلي قال : سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول : أرسل إلي إلى الفضل بن الربيع البصرة في الخروج إليه فقدمت عليه فدخلت وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه ، وفي صدره فرش عالية ، لا يرتقي إليها إلا [على] كرسي - وهو جالس عليها - فسلمت بالوزارة ، فرد وضحك [إلي] واستدناني ، حتى جلست وسألني وبسطني وألطفني ، وقال :
أنشدني : فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية فقال : قد عرفت أكثر هذه ، وأريد من صلح الشعر . فأنشدته ، فطرب وضحك ، وزاد نشاطه ، ثم دخل رجل في زي الكتاب له [ ص: 207 ] هيئة فأجلسه إلى جانبي ، وقال [له] : أتعرف هذا؟ قال : لا . قال : هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة ، أقدمناه لنستفيد من علمه ، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا . وقال [لي] : إني كنت إليك لمشتاق ، وقد كنت سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟ قلت : هات . قال : قوله تعالى : طلعها كأنه رءوس الشياطين وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله ، وهذا لم يعرف . فقال : إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم ، أما سمعت قول امرئ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول قط ، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به ، فاستحسن الفضل ذلك . [واستحسنه] السائل أيضا واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا [وأشباهه] ، فلما رجعت عملت كتابي الذي سميته "المجاز" .أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال : أخبرني علي بن أيوب قال : أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال : حدثني عبد الله بن جعفر ، أخبرنا - أحسبه عن المبرد - قال : بلغ الثوري أبا عبيدة أن يعيب [ ص: 208 ] عليه تأليفه كتاب "المجاز" في القرآن وأنه قال : يفسر كتاب الله برأيه . قال : فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو؟ فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقة الأصمعي فنزل عن حماره ، وسلم عليه ، وجلس عنده وحادثه ، ثم قال له : يا الأصمعي أبا سعيد ، ما تقول في الخبز ، أي شيء هو؟ قال : هو هذا الذي نأكله ونخبزه ، فقال له أبو عبيدة : قد فسرت كتاب الله برأيك ، فإن الله تعالى يقول : أحمل فوق رأسي خبزا فقال : هذا شيء بان لي فقلته ، لم أفسره برأيي . فقال الأصمعي أبو عبيدة : والذي تعيب علينا كله [شيء] بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا . ثم قام فركب حماره وانصرف .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق قال : أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون ، أخبرنا قال : حدثني أبي ، حدثنا أبو بكر بن الأنباري الحسن بن عليل العنزي قال : أخبرنا قال : سمعت أبو عثمان المازني أبا عبيدة يقول : دخلت على فقال لي : يا الرشيد ، بلغني أن عندك كتابا حسنا في صفة "الخيل" أحب أن أسمعه منك ، فقال معمر : وما تصنع بالكتاب؟ تحضر فرسا ونضع أيدينا على عضو عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه ، فقال الأصمعي : يا غلام ، فرس . فأحضر فرس ، فقام الرشيد فوضع يده على عضو عضو ويقول : هذا كذا ، قال فيه الشاعر كذا ، حتى انقضى قوله . [ ص: 209 ] فقال لي الأصمعي : ما تقول فيما قال؟ قلت : قد أصاب في بعض ، وأخطأ في بعض ، فالذي أصاب فيه مني تعلمه ، والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به . الرشيد
توفي أبو عبيدة بالبصرة في هذه السنة . وقيل : سنة ثمان . وقيل : سنة إحدى عشرة . وقيل : سنة ثلاث عشرة . وبلغ ثلاثا وتسعين سنة .
1179 - ميخائيل صاحب الروم .
مات في هذه السنة ، كان ملكه تسع سنين ، وملكت الروم ابنه تيوفيل .