ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها :
قدوم الحسن بن سهل بغداد من عند ، وإليه الحرب والخراج ، فلما قدمها فرق عماله في الكور والبلدان . المأمون
وفيها : شخص طاهر إلى الرقة في جمادى ومعه عيسى بن محمد بن أبي خالد ، وشخص هرثمة إلى خراسان ، وخرج أزهر بن زهير بن المسيب إلى الهرش فقتله في المحرم . وفيها : بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة يدعو إلى الرضا من آل محمد ، والعمل بالكتاب والسنة ، وهو الذي يقال له ابن طباطبا . خرج
وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وجيوشها أبو السرايا ، واسمه السري بن منصور ، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة .
وكان سبب خروج هذا الرجل صرف المأمون طاهر بن الحسين عما كان إليه من أعمال البلدان التي افتتحها ، وتوجيهه ذلك إلى ، فلما فعل ذلك تحدث الناس أن الحسن بن سهل الفضل قد غلب على ، وأنه يبرم الأمور على هواه ، ويستبد بالرأي [ ص: 74 ] دونه ، فغضب لذلك المأمون بالعراق من بها من بني هاشم ووجوه الناس ، وأنفوا من غلبة الفضل على ، واجترأوا على المأمون بذلك ، وهاجت الفتن في الأمصار ، وكان أول من خرج الحسن بن سهل بالكوفة ابن طباطبا ، وكان أبو السرايا من رجال هرثمة ، فمطله برزقه فغضب ومضى إلى الكوفة ، وبايع محمد بن إبراهيم ، وأخذ الكوفة ، واستوثق له أهلها بالطاعة ، وأقام محمد بالكوفة ، وأتاه الناس من النواحي والأعراب . فلما بلغ الخبر إلى ذلك عنف الحسن بن سهل سليمان بن المنصور ، وكان عامل الكوفة من قبل ، ووجه الحسن بن سهل زهير بن المسيب في عشرة آلاف ، فلقوه فهزموه ، واستباحوا عسكره ، وأخذوا ما كان معه من مال وسلاح ودواب وغير ذلك ، وكان هذا اليوم الأربعاء سلخ جمادى الأخرة ، فلما كان من الغد مات محمد بن إبراهيم ، فجاءة ، فيقال إن أبا السرايا سمه .
وكان السبب في ذلك : أنه لما جاز ما في عسكر ابن زهير منع منه أبا السرايا ، فعلم أنه لا أمر له معه ، فسمه وأقام أبو السرايا مكانه غلاما حدثا يقال له : محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان أبو السرايا هو الذي ينفذ الأمور ، ويولي من يرى ، ويعزل من يريد . ورجع زهير إلى قصر ، فوجه ابن هبيرة الحسن عبدوس بن محمد بن أبي خالد في أربعة آلاف ، فتوجه إليه أبو السرايا فواقعه يوم الأحد لثلاث عشرة بقيت من رجب ، فقتله وأسر هارون بن أبي خالد ، واستباح عسكره بين قتيل وأسير ، فلم يفلت منهم أحد ، وانتشر الطالبيون في البلاد ، وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة ، ونقش حولها : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .
ولما بلغ زهير قتل أبي السرايا عبدوسا وهو بالقصر ، انحاز بمن معه إلى نهر الملك . [ ص: 75 ]
ثم إن أبا السرايا أقبل حتى نزل قصر بأصحابه ، وكانت طلائعه تأتي كوثى ، ونهر الملك ، ووجه ابن هبيرة أبو السرايا جيوشا إلى البصرة وواسط ، فدخلوها ، وكان بواسط ونواحيها عبد الله بن سعيد الحرشي واليا عليها من قبل ، فواقعه جيش الحسن بن سهل أبي السرايا قريبا من واسط فهزموه ، فانصرف راجعا إلى بغداد وقد قتل من أصحابه جماعة وأسر آخرون ، فلما رأى أن الحسن بن سهل أبا السرايا ومن معه لا يلقون له عسكرا إلا هزموه ولا يتوجهون إلى بلدة إلا دخلوها ، ولم يجد فيمن معه من القواد من يكفيه حربه ، اضطر إلى هرثمة - وكان هرثمة حين قدم الحسن العراق واليا عليها من قبل سلم له ما كان بيده بها من الأعمال ، ثم توجه إلى المأمون خراسان مغاضبا للحسن ، فسار حتى نزل حلوان - فبعث إليه الحسن السندي وصالحا صاحب المصلى ، فسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا ، فامتنع فانصرفت الرسل إلى الحسن بإبائه ، فأعاد عليه بكتب لطيفة ، فأجاب ، فانصرف إلى السندي بغداد فقدمها في شعبان ، وتهيأ للخروج إلى الكوفة ، فأمر الحسن بن سهل علي بن أبي سعيد أن يخرج إلى ناحية المدائن وواسط والبصرة ، فتهيئوا لذلك .
وبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ، فتوجه إلى ابن هبيرة المدائن فدخلها أصحابه في رمضان ، وتقدم هو بنفسه ومن معه حتى نزل نهر صرصر مما يلي طريق الكوفة ، وكان هرثمة لما احتبس قدومه على الحسن ببغداد أمر أن يخرج فيعسكر بالياسرية إلى قدوم منصور بن المهدي هرثمة ، فخرج فعسكر ، فلما قدم هرثمة خرج فعسكر بين يدي ، ثم مضى حتى عسكر المنصور بنهر صرصر بإزاء أبي السرايا والنهر ، وكان علي بن أبي سعيد معسكرا بكلواذى ، فشخص يوم الثلاثاء بعد الفطر بيوم ، ووجه مقدمته إلى المدائن ، فقاتل بها أصحاب أبي السرايا ، وأخذ علي بن أبي سعيد المدائن فقاتل بها أصحاب أبي السرايا غداة الخميس إلى الليل ، ثم غدوا على القتال ، فانكشف أصحاب أبي السرايا ، وأخذ علي بن أبي سعيد المدائن ، وبلغ الخبر أبا السرايا من يومه ، فلما كان ليلة السبت لخمس خلون من شوال رجع أبو السرايا من نهر صرصر إلى قصر ، فنزل به ، وأصبح ابن هبيرة هرثمة متوجها في طلبه ، فوجد جماعة كثيرة من أصحاب أبي السرايا فهزمهم وقتلهم ، وبعث برءوسهم إلى ، فلما صار الحسن بن سهل هرثمة إلى قصر كانت بينه وبين ابن هبيرة أبي السرايا وقعة ، وقتل فيها خلق كثير ، فلما رأى ذلك أبو [ ص: 76 ] السرايا انحاز إلى الكوفة ، فوثب محمد بن محمد ومن معه من الطالبيين على دور بني العباس ودور مواليهم وأتباعهم بالكوفة فانتهبوها وهدموها وأحرقوها ، وخربوا ضياعهم ، وأخرجوهم من الكوفة ، وعملوا في ذلك عملا قبيحا ، واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس فأخذوها .
وبعث أبو السرايا إلى مكة حسين بن حسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وبعث إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ليأخذها ، وكان الوالي على مكة والمدينة داود بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس .
فأما المبعوث إلى المدينة فإنه دخلها ، ولم يمنعه أحد . وأما المبعوث إلى مكة فإنه لما مضى توقف هنيهة لمن فيها ، وكان داود بن عيسى لما بلغه توجيه أبي السرايا حسين بن حسن جمع موالي بني العباس والعبيد ، وكان مسرور الكبير الخادم قد حج تلك السنة في مائتي فارس من أصحابه ، وتعبأ لحرب من يريد دخول مكة من الطالبيين ، فقال لداود : أقم لي شخصك أو شخص بعض ولدك ، وأنا أكفيك قتالهم . فقال له داود :
لا أستحل القتال في الحرم ، والله لئن دخلوا من هذا الفج لأخرجن من هذا الفج .
فانحاز داود من مكة وقال لابنه : صل بأهل الموسم ، وبت بمنى ، ثم الحقني وخشي مسرور أن يقاتل فيميل عنه أكثر من جمع . فخرج إلى العراق ، ودفع الناس لأنفسهم من عرفة بغير إمام ، حتى أتى مزدلفة ، فصلى بهم المغرب والعشاء رجل من عرض الناس من أهل مكة ، وحسين بن حسن واقف يرهب أن يدخل مكة فيدفع عنها ، فخرج إليه قوم يميلون إلى الطالبيين فأخبروه أن الأماكن قد خلت من السلطان ، فدخل قبيل المغرب ومعه نحو من عشرة ، فطافوا وسعوا ، ومضوا إلى عرفة بالليل ، ثم رجع إلى مزدلفة فصلى بالناس الفجر ، ودفع بالناس ، وأقام بمنى أيام الحج ، فلم يزل مقيما بها حتى انقضت سنة تسع وتسعين ، وأقام محمد بن سليمان الطالبي بالمدينة حتى انقضت سنته أيضا . [ ص: 77 ]