فمن الحوادث فيها :
خروج إلى ناحية الرشيد خراسان :
أخبرنا محمد بن ناصر ، أخبرنا أبو المعالي ، أخبرنا أحمد بن محمد البخاري ، أخبرنا ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه أبو جعفر بن برية ، أخبرنا أبو بكر بن محمد بن خلف بن المرزبان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن علي التيمي ، عن أحمد بن صباح الطبري مولى عيسى بن جعفر الهاشمي قال : حدثني أبي قال : شيعت حين مضى إلى الرشيد خراسان فقال لي وهو يريد أن يأرما : يا صباح ، ما أحسبك تراني بعد هذا أبدا . فقلت : ، والله إني لأرجو أن يبقيك الله لأمة أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تقول هذا محمد صلى الله عليه وسلم مائة سنة . فتبسم وقال : يا صباح ، أنا والله ميت بعد قريب . فقلت : يا أمير المؤمنين ، جعلني الله فداك ، والله إني أرى دما ظاهرا ، ولونا ناصعا ، وشبابا زائدا ، ومئونة قوية ، وروحا طيبة ، فعمرك الله أكثر مما عمر من ملك الأرض ، وفتح لك ما فتح على ذي القرنين ، ولا أرى رعيتك فيك . قال : فالتفت إلى جمعية كانت من ورائه ، فقال : تنحوا عني . ثم قال : مل بنا نحو تلك الشجرة حتى أسر إليك سرا . قال : فسرت معه منحرفا عن الجادة نحوا من ثلاثمائة [ ص: 215 ] ذراع ، فكمن في ظل حائط ثم قال : أمانة الله في عنقك أن [لا ] تخبر بما ألقي إليك أحدا . فقلت : يا سيدي ، هذه مخاطبة الأخ أخاه ، وأنا عبد يخاطبني مولاي بمثل هذا .
فقال : والله لتقولن إني لا أقولها لأحد ، وإنها أمانة حتى أؤديها إليك عند الله . قال :
فعلت . فكشف عن بطنه ، فإذا حرير قد عصب بين بطنه وظهره ، ثم حول إلى قفاه فأخذ ثيابه عن ظهره ، فإذا قروح ونقابات قد واراها بخرق وأدوية ، وقال : منذ كم ترى هذا بي ؟ قلت : لا أدري . قال : ظهرت في أول سنة تسع وثمانين ، والله ما اطلع عليها أحد من الناس إلا بختيشوع ، ورجاء ، ومسرور ، فأما ابن بختيشوع فإنه بلغني أنه أخبر به ، ووالله لئن بقيت لابن الفاعلة لأتركنه يهيم بطلب الخبر حتى يشغله ذلك عن إذاعة السر . وأما المأمون مسرور فأخبر بعلتي ، وما منهم أحد إلا له علي حين ، فأنى تصفو لي حياة وأعز ولدي يحصي أنفاسي ، ويستحب علتي ، ولقد بلغ من تبرمهم بي وبحياتي أني إذا أردت الركوب جاءوني ببرذون قطوف ، وليس إلا ليزيد في علتي ، ويفسد علي جوارحي ، فأكره أن أظهر هذا لهم ، فيستوحشوا مني ، ومتى استوحشوا أظهروا من العداوة ما كان باطنا ، والعامة لهم أرجأ والخاصة إليهم أميل ، وأنا كالخائف بينهم ، أصبح فلا أطمع في المساء ، وأمسي ولا أطمع في الصباح . الأمين
فقلت : يا سيدي ، ما أحسن الجواب عن هذا ، ولكن أقول : من أرادك بكيد فأراه الله ذلك الكيد في نفسه ، وأراه فيك ما يسوءه ، وأطال بقاءك ، وكبت أعداءك حيث كانوا .
فقال : سمع الله دعاءك ، انصرف فإن أشغالك ببغداد كثيرة . فودعته ، وكان آخر العهد به .
وروى قال : حدثنا أبو بكر الصولي محمد بن الفضل بن الأسود ، حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : حدثني مسرور قال : دخلت على وهو يبكي عند خروجه إلى الرشيد خراسان آخر خرجة ، وفي يده قرطاس يقرأه فقال : يا مسرور ، [ ص: 216 ] كأني والله عنيت بما في هذا القرطاس . ثم رمى به مزيدة ، فأخذته ، ووثب فدخل ، فإذا فيه شعر : . لأبي العتاهية
هل أنت معتبر بمن خربت منه غداة قضى دساكره وبمن أذل الدهر مصرعه
فتبرأت منه عساكره وبمن خلت منه أسرته
وبمن خلت منه منابره أين الملوك وأين جندهم
صاروا مصيرا أنت صائره يا مؤثر الدنيا بلذته
والمستعد لمن يفاخره نل ما بدا لك أن تنال من الدنيا
فإن الموت آخره
قال علماء السير : ودخل الرشيد جرجان ، فوافته خرائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمسمائة بعير ، ثم رحل من جرجان وهو مريض إلى طوس ، فأقام بها إلى أن توفي ، واتهم هرثمة ، فوجه ابنه قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى مرو ، ومعه المأمون عبد الله بن مالك ، ، ويحيى بن معاذ وأسد بن يزيد في آخرين . وكان بين هرثمة وأصحاب رافع فيها وقعة ، ففتح فيها بخارى ، وأسر أخا رافع بشير بن الليث ، فبعث به إلى وهو الرشيد بطوس ، فدخل به عليه وهو ينظر في المرآة ويقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . فنظر إليه فقال : يا ابن اللخناء ، إني لأرجو ألا يفوتني رافع كما لم تفتني أنت . فقال : يا أمير المؤمنين ، قد أظفرك الله ، فافعل ما يحب الله ، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا رأى أنك قد مننت علي ! فغضب وقال : والله لو لم يبق من أجلي إلا أن [ ص: 217 ] أحرك شفتي بكلمة لقلت : اقتلوه . ثم دعا بقصاب فقال : لا تشحذ مداك ، دعها على حالها ، وفصل هذا الفاسق ابن الفاسق . فجعله أشلاء ، ثم أغمي عليه ، وتفرق من حضره .
، الرشيد وبويع وفي هذه السنة : توفي . [ ص: 218 ] الأمين