وكان العامل على الشام حين هاجت [هذه ] الفتنة موسى بن عيسى ، فولى الرشيد موسى بن يحيى بن خالد البرمكي الشام ، وضم إليه من القواد والجنود جماعة ، فأصلح بين أهلها ، وسكنت الفتنة ، فمدحه الشاعر [فقال ] :
قد هاجت الشأم هيجا يشيب راس وليده فصب موسى عليها
بخيله وجنوده فدانت الشأم لما
أتى بسنح وحيده هو الجواد الذي بذ
ذ كل جود بجوده أعداه جود أبيه
يحيى وجود جدوده فجاء موسى بن يحيى
بطارف وتليده ونال موسى ذرى المجد
وهو حشو مهوده خصصته بمديحي
منثوره وقصيده من البرامك عود
له فأكرم بعوده حووا على الشعر طرا
خفيفه ومديده
[ ص: 19 ] وفي هذه السنة : عزل الغطريف [بن عطاء ] عن الرشيد خراسان ، وولاها حمزة [بن مالك ] بن الهيثم الخزاعي .
وفيها : ولي جعفر بن يحيى بن خالد مصر فولاها عمر بن مهران .
وسبب ذلك : أن موسى بن عيسى كان على مصر ، فبلغ أنه عازم على الخلع ، فقال : والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي . فذكر له الرشيد عمر بن مهران وكان أحول مشوه الوجه خسيس اللباس ، وكان يشمر ثيابه ، ويقصر أكمامه ، ويركب بغلا عليه رسن ، ويردف غلامه خلفه ، فدعاه فولاه مصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أتولى (على شرط أن يكون ] إلي إذني إذا أصلحت البلاد انصرفت . فجعل ذلك إليه وبلغ الخبر موسى بن عيسى ، فدخل عمر دار موسى والناس عنده ، فجلس في أخريات الناس ، فلما تفرق أهل المجلس قال موسى لعمر : ألك حاجة يا شيخ ؟ قال : نعم . ثم قام بالكتب ، فدفعها إليه فقال : يقدم أبو حفص . قال : فأنا أبو حفص . قال : أنت عمر بن مهران ؟ ! قال : نعم . قال : لعن الله فرعون حين قال : أليس لي ملك مصر ، ثم سلم له العمل ورحل ، فتقدم عمر إلى غلامه ، فقال : لا تقبل من الهدايا إلا ما يدخل في الجراب ، لا تقبل دابة ، ولا جارية ، ولا غلاما . فجعل الناس يبعثون بهداياهم ، فيرد الألطاف ، ويقبل المال والثياب ، فيأتي بها عمر ، فيكتب عليها أسماء من بعث بها ، ثم وضع الجباية . وكان قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج ، فبدأ برجل منهم فلواه ، فقال : [ ص: 20 ] والله لا تؤدي [ما عليك من ] الخراج إلا [في بيت المال ] بمدينة السلام بغداد .
فأشخصه مع رجلين ، وكتب إلى بالحال ، وأخبره أنه قد خلف . فلم يلوه بعدها أحد من الخراج بشيء ، واستأدى النجم الأول ، والثاني ، فلما كان في الثالث وقعت مماطلة فأحضر أهل الخراج فشكوا الضيقة ، فأمر بإحضار تلك الهدايا فأجزاها عن أهلها ، ثم انصرف عن البلد . الرشيد
وحكى أن [أبو بكر ] الصولي بايع في سنة ست وسبعين [ومائة ] لابنه الرشيد عبد الله بالعهد بعد ، وسماه : الأمين ، وولاه المشرق كله ، وكتب بينهما كتابا علقه في المسجد الحرام . المأمون
وفيها غزا الصائفة [ عبد الرحمن ] بن عبد الملك ، فافتتح حصنا .
وفيها : حج بالناس سليمان بن المنصور . قال : وفي هذه السنة حجت أبو بكر الصولي زبيدة فأمرت ببناء المصانع .
[ ص: 21 ]