باب ذكر المنصور خلافة
وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، ويكنى أبا جعفر ، ولد بالسراة في ذي الحجة سنة خمس وتسعين ، وأمه بربرية يقال لها سلامة ، وحكى أنه ولد يوم مات الصولي الحجاج .
أخبرنا قال: أخبرنا أبو منصور القزاز ، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد البزاز ، قال: أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ ، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، قال: حدثنا الحارث بن محمد ، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، قال: حدثني [أبو] سهل الحاسب ، قال: حدثني طيفور مولى أمير المؤمنين ، قال: حدثتني سلامة أم أمير المؤمنين ، قالت: لما حملت بأبي جعفر رأيت كأنه خرج من فرجي أسد فزأر ، ثم أقعى ، فاجتمعت حوله الأسد ، فكلما انتهى إليه أسد سجد له .
أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب ، الحسن بن أبي بكر ، قال: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد [بن عبد الله] بن زياد القطان ، قال: أخبرنا محمد بن الفرج الأزرق ، قال: حدثني يحيى بن غيلان ، قال: حدثنا عن [ ص: 335 ] أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن الضحاك بن مزاحم ، عبد الله بن عباس ، السفاح والمنصور والمهدي" . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "منا
الخلافة وهو ابن اثنتين وأربعين سنة . المنصور بويع ولي بالأنبار يوم مات وولي ذلك والإرسال به في الوحدة السفاح . عيسى بن علي عمه ، ولقيت أبا جعفر بيعته في الطريق عند منصرفه من الحج ، ومضى أبو جعفر حتى قدم الكوفة وصلى بالناس .
ذكر صفته:
أخبرنا أبو منصور بن عبد الرحمن بن محمد [القزاز] ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال: حدثني حمدون بن سعد المؤذن ، قال: رأيت أبا جعفر يخطب على المنبر متعرق الوجه ، يخضب بالسواد ، وكان أسمر طويلا نحيفا خفيف العارضين ، وأمه أم ولد يقال لها: سلامة .
أخبرنا عبد [الرحمن] بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد [بن] المفيد ، قال: حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري ، قال: أخبرنا طاهر بن يحيى بن حسن الطالبي ، عن علي بن حبيش المديني ، عن علي بن ميسرة الرازي ، قال: رأيت أبا جعفر بمكة فتى أسمر اللون ، رقيق السمرة ، موفر الجمة ، خفيف اللحية ، رحب الجبهة ، أقنى الأنف ، بين القنى ، أعين ، كأن عينيه لسانان ناطقان [ ص: 336 ] تخالطه أبهة الملوك ، بزي النساك ، تقبله القلوب ، وتتبعه العيون ، يعرف الشرف في تواضعه [والعتق في صورته] واللب في مشيته .
ذكر أولاده
[كان له] المهدي واسمه محمد ، وجعفر ، أمهما أروى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد بن شمر الحميرية ، وكانت تكنى أم موسى ، وكان قد شرط لها ألا يتزوج عليها ، ولا يتسرى ، وكتبت عليه بذلك كتابا وأشهدت عليه شهودا ، فبقي عليه عشر سنين من سلطانه كذلك ، وكان يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه ليفتيه برخصة ، فإذا علمت المنصور أم موسى أرسلت إلى ذلك الفقيه بمال فلا يفتيه ، فلما ماتت أتته وفاتها وهو بحلوان ، فأهديت إليه تلك الليلة مائة بكر .
المنصور ومن أولاد صالح ، أمه أمة ، ويقال: بنت ملك الصغد . وسليمان ، وعيسى ، ويعقوب ، أمهم فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد الله . والغالية أمها من ولد خالد بن أسيد . وجعفر ، والقاسم ، وعبد العزيز ، والعباس .
فأما جعفر بن أبي جعفر فولي الموصل لأبي جعفر ومات ببغداد ، فولد لجعفر إبراهيم ، وزبيدة وهي أم جعفر ، أمهما سلسل أم ولد جعفر بن جعفر ، وعبيد الله بن جعفر ، وصالح بن جعفر ، ولبابة بنت جعفر . فأما إبراهيم فلا عقب له . وأما زبيدة فتزوجها وأما هارون الرشيد ، لبابة فكانت عند موسى بن المهدي ، وأما عيسى بن جعفر فولي البصرة وكورها وفارس والأهواز واليمامة والسند .
أخبرنا [أبو] منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي ، قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن عمر الحافظ ، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي ، قال: حدثني عبد الصمد ، قال: حدثني أبي موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ، عن أبيه محمد بن إبراهيم ، قال: [ ص: 337 ] قال يوما ونحن جلوس عنده: أتذكرون رؤيا كنت رأيتها ونحن المنصور بالشراة؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين ما نذكرها ، فغضب من ذلك ، وقال: كان ينبغي لكم أن تثبتوها في ألواح الذهب وتعلقوها في أعناق الصبيان ، فقال عيسى بن علي: إن كنا قصرنا في ذلك فنستغفر الله يا أمير المؤمنين ، فليحدثنا أمير المؤمنين بها ، قال: نعم ، رأيت كأني في المسجد الحرام ، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ، وبابها مفتوح ، والدرجة موضوعة ، وما أفقد أحدا من الهاشميين ولا من القرشيين ، إذا مناد ينادي:
أين عبد الله؟ فقام أخي أبو العباس فتخطى الناس حتى صار على الدرجة ، فأخذ بيده فأدخل البيت ، فما لبث أن خرج علينا ومعه قناة عليها لواء قدر أربعة أذرع وأرجح ، فرجع حتى خرج من باب المسجد ، ثم نودي: أين عبد الله؟ فقمت أنا وعبد الله بن علي نستبق حتى صرنا إلى الدرجة ، فجلس فأخذ بيدي فأصعدت فأدخلت الكعبة ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر فعقد لي وأوصاني بأمته وعممني ، وكان كورها ثلاثة وعشرين كورا ، وقال: خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة . وبلال .
أخبرنا ابن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني ، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال: حدثنا أبو سهل [بن] علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية ، وكان في علم النجوم نهاية وكان محبوسا بسجن الأهواز ، فقال: رأيت وقد أدخل السجن ، فرأيت من هيبته وحالته وسيماه وحسن وجهه وثيابه ما لم أره لأحد قط . قال: فصرت من موضعي إليه فقلت: يا سيدي ليس وجهك من وجوه هذه البلاد ، فقال: أجل يا مجوسي ، قلت: فمن أي البلاد أنت؟ فقال: من أبا جعفر المنصور المدينة ، فقلت: أي مدينة؟ فقال: مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ قال: لا ، ولكنني من عرب المدينة . قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته ، فقال: كنيتي أبو جعفر ، قلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع ما في هذه البلدة حتى تملك [ ص: 338 ] فارس وخراسان والجبال ، فقال لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول ، فاذكر لي هذه البشرى ، قال: إن قضي شيء فسوف يكون ، قال: فقلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفسا ، فطلبت دواة فوجدتها ، فكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم ، يا نوبخت إذا فتح الله على المسلمين ، وكفاهم مئونة الظالمين ، ورد الحق إلى أهله لم نغفل عما يجب من حق خدمتك إيانا . وكتب: أبو جعفر .
قال نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه وأخرجت الكتاب ، فقال: أنا له ذاكر ولك متوقع ، والحمد لله الذي صدق وعده ، وحقق الظن ، ورد الأمر إلى أهله .
وأسلم نوبخت وكان منجما لأبي جعفر ومولى .
المنصور ذكر بيعة
لما حضرت الوفاة أمر الناس بالبيعة لأخيه السفاح فبويع له يوم توفي أخوه المنصور ، والمنصور يومئذ بمكة . وكان الذي أخذ له البيعة بالعراق ، وقام بأمر الناس عمه عيسى بن علي ، وكتب إليه يعلمه بموت أخيه وبالبيعة له ، فلما وصل الكتاب إليه دعا الناس فبايعوه وبايعه أبو مسلم .
[وقيل: بل عرف الخبر أبو مسلم] قبله ، فأنفذ الكتاب إليه ، وتأخر عن بيعته يومين ليرهبه .
وفي رواية: أنه ورد عليه الخبر بعدما صدر من الحج في منزل يقال له: صفية ، فتفاءل باسمه ، وقال: صفي أمرنا إن شاء الله . وجعل يجزع ، فقال له أبو مسلم: ما هذا الجزع؟ قال: أتخوف من شر عبد الله بن علي وسعيد بن علي ، قال: لا تخف وأنا أكفيك أمره إن شاء الله ، إنما عامة جنده أهل خراسان وهم لا يعصوني ، فسري عن أبي جعفر ، وكان عبد الله بن علي قد قدم في هذه السنة على أبي العباس الأنبار ، فعقد له على الصائفة في أهل خراسان وأهل الشام ، وأهل الجزيرة والموصل ، فسار فأتته وفاة أبي العباس ، وبعث إليه عيسى بن علي ، وأبو الجهم بن يزيد بن زياد ببيعة فانصرف بمن معه إلى المنصور ، حران وبايع لنفسه .
[ ص: 339 ]