الحجاج واسط القصب وفي هذه السنة بنى
وكان سبب ذلك أن الحجاج ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان ، فعسكروا بحمام عمر . وكان فتى من أهل الكوفة حديث عهد بعرس ، فانصرف إلى منزله ليلا ، فإذا سكران من أهل الشام قد طرق الباب ، فقالت المرأة: هذا كل ليلة يأتينا فنلقى منه المكروه ، فلما دخل ضرب الفتى رأسه فأندره ، فلما أصبحوا علم الناس بالقتيل ، فذهبوا به إلى الحجاج ، فسأل المرأة فصدقته ، فقال: قتيل إلى النار ، لا قود له . ثم نادى مناديه: لا ينزلن أحد على أحد ، وبعث روادا يرتادون له منزلا حتى نزل أطراف كسكر . فبينا هو في موضع واسط إذا راهب قد أقبل على حماره ، فلما كان في موضع واسط بالت الأتان ، فنزل الراهب فاحتفر الأرض وحمل التراب فرمى به في دجلة ، فقال الحجاج: علي به ، فجيء به ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد الله -عز وجل- فيه ما دام في الأرض من يوحد ، فبنى المسجد في ذلك الموضع .
أخبرنا قال: أخبرنا أبو منصور القزاز ، أبو الحسين بن النقور ، قال: أخبرنا قال: في كتاب والدي عن الحسين بن هارون الضبي ، البيهقي ، قال: أخبرني قال: [ ص: 250 ] الرياشي ،
لما فرغ الحجاج من بناء واسط ، قال للحسن البصري بعد فراغه منها: كيف ترى بناءنا هذا؟ قال الحسن: إن الله أخذ عهود العلماء ومواثيقهم أن لا يقولوا إلا الحق ، أما أهل السماء أيها الأمير [فقد] مقتوك ، وأما أهل الأرض [فقد] غروك ، أنفقت مال الله في غير طاعته ، يا عدو نفسه . فنكس الحجاج رأسه حتى خرج الحسن ، ثم قال: يا أهل الشام ، يدخل علي عبيد أهل البصرة ويشتمني في مجلسي ثم لا يكون لذلك معير ولا نكير ، ردوه ، فخرجوا ليردوه ، ودعا بالسيف ليقتله ، فلما دخل الحسن دعا بدعوات لم يتمالك الحجاج أن قربه ورحب به وأجلسه على طنفسته ، ثم دعا بالطيب فغلف لحيته وصرفه مكرما ، فلما خرج من عنده تبعه الحاجب ، وقال: يقول لك الأمير رأيتك تحرك شفتيك وقد كنت هممت بك ، فماذا قلت في دعائك؟ فقال الحسن: قلت: يا عدتي عند كربتي ، ويا صاحبي عند شدتي ، ويا وولي نعمتي ، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ويا كهيعص ، بحق طه ويس والقرآن العظيم ارزقني معروف الحجاج ومودته ، واصرف عني أذاه ومعرته ، فقال الحاجب عندها: بخ بخ لهذا الدعاء . وأمر الحجاج بأن يكتب له هذا [الدعاء] .
قال أبو إسحاق البيهقي: قال لقد دعوت بهذه الدعوات في الشدائد مرارا ففرج الله عني . الرياشي: