الحجاج من بناء واسط وفي هذه السنة فرغ
[وسبب تسميتها] أن الحجاج قال: هذا وسط ما بين المصرين: الكوفة والبصرة ، وكان كتب إلى عبد الملك يستأذنه في بناء مدينة بين المصرين ، فأذن له ، فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين ، فبنى القصر والمسجد والسورين ، وحفر [ ص: 200 ] الخندق في ثلاث سنين ، وفرغ في هذه السنة ، فأنفق عليها خراج العراق كله خمس سنين ، ثم نقل إليها من وجوه أهل الكوفة ، وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ، ونقل من وجوه أهل البصرة ، وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ، وأمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة ، وأنزل أصحاب الطعام والبزازين والصيارف والعطارين عن يمين السور ، وأنزل البقالين وأصحاب السقط ، وأصحاب الفاكهة في قبلة السور ، وأنزل الروزجارية ، والصناع عن يسار السور إلى دجلة ، وجعل لأهل كل تجارة قطعة لا يخالطهم غيرهم ، وأمر أن يكون مع أهل كل قطعة صيرفي ، وجعل لقصره أربعة أبواب ، واتخذ لهم مقبرة من الجانب الشرقي ، وعقد الجسر وضرب الدراهم ، وولاها لابن أخيه . وقد جرت لابن أخيه في توليته البلد قصة طريفة : أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي ، قال: حدثنا محمد بن خلف ، قال: حدثنا أبو بكر العامري ، قال: حدثنا قال: حدثنا عبد الله بن عمر ، أبو عباد ، قال:
أدركت الخادم الذي كان يقوم على رأس الحجاج ، فقلت له: أخبرني بأعجب شيء رأيته من الحجاج ، قال : كان ابن أخيه أميرا على واسط ، وكانت بواسط امرأة يقال إنه لم يكن بواسط في ذلك الوقت أجمل منها ، فأرسل ابن أخيه إليها يريدها عن نفسها مع خادم له ، فأبت عليه وقالت: إن أردتني فاخطبني إلى إخوتي . قال: وكانت لها إخوة أربعة ، فأبى وقال: لا إلا كذا ، وعاودها فأبت عليه إلا أن يخطبها ، فأما حرام فلا ، وأبى هو إلا الحرام ، فأرسل إليها بهدية فأخذتها فعزلتها .
قال: فأرسل إليها عشية جمعة: إني آتيك الليلة ، فقالت لأمها: إن الأمير بعث إلي بكذا وكذا . قال: فأنكرت أمها ذلك ، وقالت أمها لإخوتها: إن أختكم قد زعمت [ ص: 201 ] كذا وكذا ، فأنكروا ذلك وكذبوها ، فقالت: إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة وسترونه ، قال: فقعد إخوتها في بيت حيال البيت الذي هي فيه وفيه سراج وهم يرون من يدخل إليها وجويرية لها على باب الدار قاعدة ، حتى جاء فنزل عن دابته وقال لغلامه: إذا أذن المؤذن في الغلس فاتني بدابتي .
ودخل فمشت الجارية بين يديه وقالت له: ادخل وهي على سرير مستلقية ، فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها وقال: إلى كم ذا المطل؟ فقالت له: كف يدك يا فاسق .
قال: ودخل إخوتها ومعهم سيوف ، فقطعوه ثم لفوه في نطع وجاءوا به إلى سكة من سكك واسط فألقوه فيها . وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب رفيقا ، فلم يكلمه أحد ، فلما غشي الصبح ، [وخشي] أن تعرف الدابة انصرف . وأصبحوا فإذا هم به ، فأتوا به الحجاج ، فأخذ أهل تلك السكة ، فقال: أخبروني ما هذا وما قصته؟ قالوا: لا نعلم حاله غير أنا وجدناه ملقى ، ففطن الحجاج ، فقال: علي بمن كان يخدمه فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول ، فقيل: هذا كان صاحب سره ، فقال له الحجاج: ما كان حاله ، وما [كانت] قصته؟ فأبى ، فقال: إن صدقتني لم أضرب عنقك ، وإن لم تصدقني فعلت بك وفعلت .
قال: فأخبره بالأمر على جهته ، فأمر بالمرأة وأمها وإخوتها ، فجيء بهم فعزلت المرأة عنهم فسألها فأخبرته بمثل ما أخبره الخصي ، ثم عزلها وسأل الإخوة فأخبروه بمثل ذلك وقالوا: نحن الذي صنعنا به الذي ترى ، قال: فعزلهم وأمر برقيقه ودوابه وماله للمرأة ، فقالت المرأة: عندي هديته ، فقال: بارك الله لك فيها وأكثر في النساء مثلك ، هي لك ، وكل ما ترك من شيء ، فهو لك ، وقال: مثل هذا لا يدفن ، فألقوه للكلاب .
ودعا بالخصي وقال: أما أنت فقد قلت لا أضرب عنقك ، فأمر بضرب وسطه .