. أن ينقطع طمع الناس عنك وينقطع طمعك عن الناس
فأما انقطاع طمع الناس عنك ففيه فوائد ، فإن فاشتغال المرء بإصلاح نفسه أولى ومن أهون الحقوق وأيسرها حضور الجنازة وعيادة المريض وحضور الولائم والإملاكات وفيها تضييع الأوقات وتعرض للآفات ثم قد تعوق عن بعضها العوائق وتستقبل فيها المعاذير ولا يمكن إظهار كل الأعذار فيقولون له قمت بحق فلان وقصرت في حقنا ويصير ذلك سبب عداوة فقد قيل : من لم يعد مريضا في وقت العيادة اشتهى موته خيفة من تخجيله إذا صح على تقصيره . رضا الناس غاية لا تدرك ،
ومن عمم الناس كلهم بالحرمان رضوا عنه كلهم ولو خصص استوحشوا .
وتعميمهم بجميع الحقوق لا يقدر عليه المتجرد له طول الليل والنهار فكيف من له مهم يشغله في دين أو دنيا قال ، عمرو بن العاص . كثرة الأصدقاء كثرة الغرماء
وقال ابن الرومي .
عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام أو الشراب
وأما انقطاع طمعك عنهم فهو أيضا فائدة جزيلة فإن من نظر إلى زهرة الدنيا وزينتها تحرك حرصه وانبعث بقوة الحرص طمعه ولا يرى إلا الخيبة في أكثر الأحوال فيتأذى بذلك .
ومهما اعتزل لم يشاهد وإذا لم يشاهد لم يشته ولم يطمع ولذلك قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم وقال صلى الله عليه وسلم : انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم .
وقال عون بن عبد الله كنت أجالس الأغنياء فلم أزل مغموما كنت أرى ثوبا أحسن من ثوبي ودابة أفره من دابتي فجالست الفقراء فاسترحت .
وحكي أن المزني رحمه الله خرج من باب جامع الفسطاط وقد أقبل ابن عبد الحكم في موكبه فبهره ما رأى من حسن حاله وحسن هيئته فتلا قوله تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ثم قال بلى أصبر وأرضى وكان فقيرا مقلا .
فالذي هو في بيته لا يبتلى بمثل هذه الفتن .
فإن من شاهد زينة الدنيا فإما أن يقوى دينه ويقينه فيصبر إلى أن يتجرع مرارة الصبر وهو أمر من الصبر أو تنبعث رغبته فيحتال في طلب الدنيا فيهلك هلاكا مؤبدا أما في الدنيا فبالطمع الذي يخيب في أكثر الأوقات فليس كل من يطلب الدنيا تتيسر له وأما في الآخرة فإيثاره متاع الدنيا على ذكر الله تعالى والتقرب إليه .
ولذلك قال ابن الإعرابي .
إذا كان باب الذل من جانب الغنى سموت إلى العلياء من جانب الفقر