وقال كتب صاحب لنا : أما بعد فإن الناس كانوا دواء يتداوى به فصاروا داء لا دواء له ، ففر منهم فرارك من الأسد . ابن السماك
وكان بعض الأعراب يلازم شجرا ويقول : هو نديم فيه ثلاث خصال : إن سمع مني لم ينم علي ، وإن تفلت في وجهه احتمل مني ، وإن عربدت عليه لم يغضب فسمع الرشيد ذلك فقال زهدني : في الندماء وكان بعضهم قد لزم الدفاتر والمقابر فقيل له ذلك فقال : لم أر أسلم من وحدة ولا أوعظ من قبر ولا جليسا أمتع من دفتر وقال الحسن رضي الله عنه أردت الحج فسمع ثابت البناني بذلك وكان أيضا من أولياء الله فقال : بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن أصحبك فقال له الحسن : ويحك ! دعنا نتعاشر بستر الله علينا إني ، أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه .
وهذه إشارة إلى فائدة أخرى في العزلة وهو بقاء الستر على الدين والمروءة والأخلاق والفقر وسائر العورات .
وقد مدح الله سبحانه المتسترين فقال يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقال الشاعر .
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ولكن عارا أن يزول التجمل
ولا يخلو الإنسان في دينه ودنياه وأخلاقه وأفعاله عن عورات الأولى في الدين والدنيا سترها ولا تبقى السلامة مع انكشافها. .وقال كان الناس ورقا لا شوك فيه فالناس اليوم شوكا لا ورق فيه . أبو الدرداء
إذا كان هذا حكم زمانه وهو في أواخر القرن الأول فلا ينبغي أن يشك في أن الأخير شر .
وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته وفي المنام بعد وفاته : أقلل من معرفة الناس فإن التخلص منهم شديد ، ولا أحسب أني رأيت ما أكره إلا ممن عرفت .
وقال بعضهم : جئت إلى وهو قاعد وحده وإذا كلب قد وضع حنكه على ركبته . مالك بن دينار
فذهب أطرده فقال : دعه يا هذا هذا لا يضر ولا يؤذي وهو . خير من جليس السوء
وقيل لبعضهم : ما حملك على أن تعتزل الناس ? قال : خشيت أن أسلب ديني ولا أشعر .
وهذه ، إشارة إلى مسارقة الطبع من أخلاق القرين السوء .
وقال اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا خربوه . أبو الدرداء
وقال بعضهم : وأخف لسقوط الحقوق عنك؛ لأنه : كلما أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك وعسر القيام بالجميع . كثرت المعارف كبرت الحقوق
وقال بعضهم: أنكر من تعرف ولا تتعرف إلى من لا تعرف .