[ ص: 166 ] فصل [ ] وإذا عرفت أن العدالة شرط ، فلا بد من طريقها . فنقول : تثبت عدالة الراوي بالاختبار أو التزكية . أما الاختبار فهو الأصل ، إذ التزكية لا تثبت إلا به ، وهو إنما يحصل باعتبار أحواله ، واختبار سره وعلانيته بطول الصحبة والمعاشرة سفرا وحضرا والمعاملة معه ، ولا يشترط عدم موافقة الصغيرة ، ولكن إذا لم يعثر منه على كبيرة تهون على مرتكبها الأكاذيب وافتعال الأحاديث ولا تسقط الثقة . وأما التزكية فبأمور : منها تنصيص عدلين على عدالته كالشهادة ، وأعلاه أن يذكر السبب معه ، وهو تعديل باتفاق . ودونه أن لا يذكره ، وإنما انحط عما قبله للاختلاف فيه ، وأنه لا بد من ذكر السبب على قول ، ويكفي أن يقول : هو عدل ، وقيل : لا بد أن يقول : عدل لي ، وعلي ، والأول أصح ، وهذا تأكيد ، وقال الطريق الذي تثبت العدالة به : عندنا لا بد أن يقول : عدل مرضي ، ولا يكفي الاقتصار على أحدهما ، ولا يلزمه زيادة عليهما ، وهل تثبت بواحد ؟ فيه أقوال : أحدها : لا ، لاستواء الشهادة والرواية . وحكاه القرطبي عن أكثر الفقهاء من أهل القاضي أبو بكر المدينة وغيرهم ، وقال الإبياري : هو قياس مذهب . مالك
والثاني : الاكتفاء بواحد منهما ، واختاره القاضي لأنها نهاية الخبر . قال القاضي : والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ذكر أو أنثى ، حر أو عبد لشاهد ومخبر . والثالث : الفرق بين الشهادة فيشترط فيها اثنان ، والرواية يكتفى فيها [ ص: 167 ] بواحد ، كما يكتفى به في الأصل ، لأن الفرع لا يزيد على الأصل . وهذا هو الصحيح ، ونقله الآمدي والهندي عن الأكثرين . قال : وهو الصحيح الذي اختاره ابن الصلاح وغيره ; لأن العدد لا يشترط في قبول الخبر ، فلا تشترط في جرح روايتهم وتعديلهم ، بخلاف الشهادة ، وحاصل الخلاف كما قاله الخطيب الماوردي والروياني أن تعديل الراوي : هل يجري مجرى الخبر أو مجرى الشهادة ; لأنه حكم على غائب ؟ قالا : وفي جواز كون المحدث أحدهما وجهان ، كما لو عدل بشهود الأصل ، وجعلا الخلاف السابق في التعديل ، وجزما في الجرح بالتعدد ; لأنها شهادة على باطن مغيب ، وأجرى وغيره الخلاف فيه كالتعديل بواحد . القاضي أبو الطيب