[ ص: 140 ] فصل في شرط الفعل بخبر الآحاد . منها : ما هو في المخبر ، وهو الراوي ، ومنها : ما هو في المخبر عنه ، وهو مدلول الخبر . ومنها : ما هو في الخبر نفسه وهو اللفظ . [ ] أما الأول فله شروط . الأول : التكليف ، فلا تقبل الشروط التي يجب توفرها في المخبر ; لعدم الوازع عن الكذب ، واعتمد رواية المجنون والصبي مميزا كان أو لا القاضي في رد رواية الصبي الإجماع ، وقال المعلق عنه : وقد كان الإمام يحكي وجها في صحة رواية الصبي ، فلعله أسقطه . ا هـ . والخلاف ثابت مشهور ، حكاه ابن القشيري معترضا به على القاضي ، بل هما قولان في إخباره عن القبلة ، كما حكاه للشافعي في تعليقه . القاضي الحسين
ولأصحابنا خلاف مشهور في قبول روايته في هلال رمضان وغيره ، بل قال الفوراني في الإبانة " في كتاب الصيام : الأصح قبول روايته ، وحكى إلكيا الطبري خبرا في مستند رد أحاديث الصبي ، فقيل هو مقتبس من رواية الفاسق ; لأن ملابسة الفسق تهون عليه توقي الكذب ، [ ص: 141 ] والصبي أولى بذلك ، فإن الفاسق لا يخلو عن خيفة يستوحشها ، والصبي يعلم أنه غير آثم ، وقيل : بل ذلك متلقى من الإجماع . قال : وهذا أسد فإن الصحابة لم يراجعوا صبيا قط ، ولم يستخبروه ، وقد راجعوا النساء وراء الخدور ، وكان في الصبيان من يلج على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطلع على أحوال له بحيث لو نقلها لم يخل الأخذ بقوله من فائدة شرعية ، ثم لم يراجعوا قط . ا هـ .
وجعل الغزالي في المنخول " محل الخلاف في المراهق المتثبت في كلامه ، قال : أما غيره فلا يقبل قطعا ، كالبالغ الفاسق ، وحكاه صاحب الواضح " قولا ثالثا في المسألة ، وهو التفصيل بين المراهق ومن دونه والقائلون بعدم القبول اختلفوا ، هل ذلك مظنون أو مقطوع به ؟ والأكثرون على أنه مظنون . هذا كله إذا أدى في حال صباه ، فإن تحمل في صباه ، ثم أداه بعد بلوغه فقولان في شرح اللمع " و مختصر التقريب " ، وأصحهما وعليه الجمهور أنه يقبل ; للإجماع على قبول رواية ، ابن عباس ، وابن الزبير ومعاذ بن بشير من غير تفرقة بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده ، وقد روى حديث المجة التي مجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين ، واعتمد العلماء روايته ذلك بعد بلوغه ، وجعلوه أصلا في سماع الصغير ، والإجماع على إحضار الصبيان مجالس الروايات . محمود بن الربيع
قال ابن دقيق العيد : ولو قيل : هذا لقبول الأمة روايات من سبق كان عندي أولى ; لتوقف الأول على أن يعلم أن الأصاغر رووا للأكابر ما لم [ ص: 142 ] يعلموه إلا من جهتهم ، فقبلوه ، وثبوت مثل هذا عن كل الصحابة قد يتعذر ، ولكن الأمة بعدهم قد قبلوا رواية هؤلاء .
قال : والتمثيل ونحوه ذكره الأصوليون ، وفي مطابقته لحال بعضهم نظر ، قال بابن عباس ابن القشيري : وإنما يصح من الصبي تحمل الرواية ، ثم أداؤها بعد البلوغ إذا كان وقت التحمل مميزا ، فأما إذا كان غير مميز ثم بلغ ، لم تصح روايته ; لأن الرواية نقل ما سمعه ، ولا يتحقق نقل ما سمعه إلا بعد علمه ، وهذا إجماع ، ولهذا قلنا : لو سمع المجنون ، ثم أفاق لم تسمع روايته . وقال قوم : لا يصح التحمل إلا من بالغ عاقل ، وما سمعه الصبي في حال صباه لا تصح روايته ، والصحيح خلافه ، وكذا لو تحمل وهو فاسق أو كافر ، ثم روى وهو عدل مسلم ، قال الماوردي والروياني ، وحكاه في القواطع " عن الأصوليين : المراد بالعقل المعتبر هنا التيقظ ، وكثرة التحفظ ، ولا يكفي العقل الذي يتعلق به التكليف . قال ابن السمعاني : فإن كان يفيق يوما ، ويجن يوما ، فإن أثر جنونه في زمن إفاقته لم يقبل ، وإلا قبل .
الثاني : كونه من أهل القبلة ، فلا تقبل إجماعا ، سواء علم من دينه الاحتراز عن الكذب أم لا ، وسواء علم أنه عدل في دينه أم لا ; لأن قبول الرواية منصب شريف ، ومكرمة عظيمة ، والكافر ليس أهلا لذلك . وروى رواية الكافر كاليهودي والنصراني في المسند من جهة الإمام أحمد ، عن محمد بن الحنفية عروة بن عمرو الثقفي ، سمعت أبا طالب قال : سمعت ابن أخي الأمين يقول : { اشكر ترزق ، ولا تكفر فتعذب } ، ورواه الحافظ الصريفيني وقال [ ص: 143 ] غريب عجيب رواية أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم .