ويتفرع على اشتراط العدالة مسائل . أحدها : عدم قبول . والفسق نوعان : أحدهما : من حيث الأفعال ، فلا خلاف في رده . الثاني : من جهة الاعتقاد خبر الفاسق كالمبتدعة ، وفيه خلاف . وحكى في صحيحه الإجماع على رد خبر الفاسق . قال : إنه غير مقبول عند أهل العلم ، كما أن شهادته مردودة ، عند جميعهم ، وذكر مسلم إمام الحرمين أن الحنفية [ ص: 157 ] وإن باحوا بقبول ، فلم يبوحوا بقبول روايته ، فإن قال به قائل فهو مسبوق بالإجماع . وللمقدم على الفسق أحوال : أحدها : أن يعلم حرمة ما أقدم عليه ، والإجماع على رده ، كذا قال في " المحصول " وغيره ، ويتجه تقييده بالمقطوع بكونه فسقا ، أما المظنون فيشبه تخريج خلاف فيه ، إذ حكوا وجها فيمن شرب النبيذ وهو يعتقد تحريمه أن شهادته لا ترد ، والرواية ملحقة بالشهادة فيما يرجع إلى العدالة . شهادة الفاسق
الثاني : أن يقدم على الفسق معتقدا جوازه لشبهة أو تقليد فأقوال : ثالثها : الفرق بين المظنون والمقطوع ، وهو ظاهر كلام رضي الله عنه ، فإنه قال في المظنونات : أقبل شهادة الحنفي إذا شرب النبيذ وأحده ، وقال في القطعيات : أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلا الشافعي الخطابية من الرافضة ; لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم ، وحكي في " المحصول " الاتفاق في المظنون على القبول . قال الهندي : والأظهر ثبوت الخلاف فيه كما في الشهادة ، وهذا من في المقطوع به إذا لم ير صاحبه جواز الكذب ، والأكثرون قبلوا روايته ، وهو اختيار الشافعي الغزالي ، والإمام الرازي وأبي الحسين البصري ، وقال ابن الصباغ في " العدة " : إذا كان فسقه من جهة الاعتقاد لم يرد خبره ، وقد قبل التابعون أخبار الخوارج ، وقال : لا أرد شهادة أهل الأهواء . [ ص: 158 ] واختار الشافعي ، القاضي أبو بكر والجبائي ، عدم القبول ، وقد نازع في كونه صورة النبيذ ونحوها من الفسق المظنون طائفتان ، فطائفة قالت : ليس هو من الفسق أصلا ، لأنه مجتهد فيه . والمسائل الاجتهادية لا إنكار فيها على المخالف ، ولا فسق ; لأن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد لا نعلمه ولا إثم على المخطئ ، وإلى هذا جنح وأبو هاشم العبدري في " شرح المستصفى " . وطائفة قالت : بل هو من المقطوع به ; لأن الحد إنما يصح مع التفسيق ، والفسق رد الشهادة ، ولهذا قال : أحده ، ولا أقبل شهادته ، وإلى هذا جنح مالك ابن الحاجب والقرافي ، وجعل ذلك من تناقضا ، لكن الشافعي حقق اختلاف الجهتين ، فقال : الحد للزجر ، فلم يراع فيه مذهب الشارب للنبيذ ، والشهادة ترد للكبيرة ، وهذا يتأول فيمن شرب معتقدا إباحة فعذر بتأويله . الثالث : أن يقدم غير معتقد بحل ولا حرمة ، عالما بالخلاف في إباحته وحظره ، فيحد . وفي فسقه ورد شهادته وجهان ، حكاهما الشافعي الماوردي ، ولا يبعد تخريجهما في الرواية . أحدهما : أنه فاسق مردود الشهادة ، لأن ترك الإرشاد في الشبهات تهاون . والثاني لا يفسق ، لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من التعاطي ، ولا يفسق معتقد الإباحة .
الثانية : من ظهر عناده فيما ذهب إليه ، لا تقبل روايته ; لأنه كذب مع علمه به . الثالثة : إذا ثبت أن عدالة الراوي شرط فله ثلاثة أحوال . لأنه إما أن يعلم عدالته ، ولا إشكال في قبوله ، وإما أن يعلم جرحه ، فلا إشكال في رده ، وإما أن يجهل حاله .