[ ] الثاني : إذا قلنا بالمشهور فاختلفوا في الكبيرة ، هل تعرف بالحد أو بالعد ؟ على وجهين . وبالأول قال الجمهور ، واختلفوا على أوجه . قيل : المعصية الموجبة للحد ، وقيل : ما لحق صاحبها وعيد شديد ، وقيل : ما تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة . قاله تعريف الكبيرة إمام الحرمين ، وقيل : ما نص الكتاب على تحريمه ، أو وجب في جنسه حد ، والظاهر أن كل قائل ذكر بعض أفرادها ، ويجمع الكبائر جميع ذلك . والقائلون بالعد اختلفوا في أنها هل تنحصر ؟ فقيل : تنحصر ، واختلفوا فقيل : معينة . وقال الواحدي في " البسيط " : الصحيح أنه ليس للكبائر حد يعرفه [ ص: 154 ] العباد ، وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة ، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة ، ولكن الله تعالى أخفى ذلك على العباد ليجتهد كل واحد في اجتناب ما نهي عنه ، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر ، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات ، وليلة القدر في رمضان . ا هـ . ثم قيل : هي سبعة ، وقيل : أربعة عشر . وقال : هي إلى سبعين أقرب منها إلى السبع . والصحيح أنها لا تنحصر ، إذ لا يؤخذ ذلك إلا من السمع ولم يرد فيه حصرها ، وقد أنهاها ابن عباس الحافظ الذهبي في جزء صنفه إلى السبعين . ومن المنصوص عليه : القتل ، والزنا واللواط ، وشرب الخمر ومطلق السكر ، والسرقة والغصب والقذف ، والنميمة وشهادة الزور ، واليمين الفاجرة وقطيعة الرحم ، والعقوق والفرار ، ومال اليتيم وخيانة الكيل ، والوزن وتقدم الصلاة وتأخيرها ، والكذب على محمد صلى الله عليه وسلم وضرب المسلم ، وسب الصحابة وكتمان الشهادة ، والرشوة والدياثة ، وهي القيادة على أهله ، والقيادة وهي على أجنبي ، والسعاية عند السلطان ، ومنع الزكاة واليأس من رحمة الله ، وأمن المكر والظهار ، وأكل لحم الخنزير والميتة ، وفطر رمضان والغلول ، والمحاربة والسحر ، والربا وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونسيان القرآن بعد حفظه ، وإحراق الحيوان بالنار وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب .
وتوقف الرافعي في " ترك الأمر " وما بعده ، ونقل عن صاحب العدة [ ص: 155 ] جعل الغيبة من الصغائر ، وهو يخالف نص ، كيف وهي أخت النميمة ، وقد روى الشافعي حديث المعذبين في قبرهما ، فذكر الغيبة بدل النميمة ومنها إدمان الصغيرة . الثالث : أن الطبراني حكمه حكم مرتكب الكبيرة الواحدة على المشهور . وقال الإصرار على الصغائر أبو طالب القضاعي في كتاب " تحرير المقال في موازنة الأعمال " : إن الإصرار حكمه حكم ما أصر به عليه ، فالإصرار على الصغيرة صغيرة . قال : وقد جرى على ألسنة الصوفية لا صغيرة مع الإصرار ، وربما يروي حديثا ، ولا يصح ، والإصرار يكون باعتبارين : أحدهما : حكمي وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، فهذا حكمه حكم من كررها فعلا ، بخلاف التائب منها ، فلو ذهل من ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة ، والجمعة والصيام ، كما دل عليه الأحاديث .
لكن اختلف في هذا على قولين ، لأجل قوله صلى الله عليه وسلم : { هل شرط التكفير عدم ملابسته لشيء من الكبائر أو لا يشترط ذلك ؟ } ، وحكى الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر ابن عطية وغيره عن الجمهور الاشتراط لظاهر الحديث ، واختار بعض المحققين أنه لا يشترط . قال : والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء ، والتقدير : مكفرات ما بينهن [ ص: 156 ] إلا الكبائر ، وهذا يساعده مطلق الأحاديث المصرحة بالتكفير من غير شرط ، وإن قلنا : إن المراد بالكبائر في الآية السابقة الكفر كما قال ، فنحمل الحديث عليها ، وتسقط الدلالة بها للقول الأول . والثاني : الإصرار بالفعل ، ويحتاج إلى ضابط . قال ابن فورك ابن الرفعة : لم أظفر فيه بما يثلج الصدور ، وقد عبر عنه بعضهم بالمداومة ، وحينئذ هل تعتبر المداومة على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار من الصغائر ، سواء كانت من نوع واحد أو أنواع ؟ ويخرج من كلام الأصحاب عنه وجهان . قال الرافعي : ويوافق الثاني قول الجمهور : من تغلب معاصيه طاعته كأن يزور الشهادة . قال : وإذا قلنا به لم يضره المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات ، وعلى الأول تضره . قال ابن الرفعة : وقضية كلامه أن مداومة النوع تضر على الوجهين ، أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته قال : إن الإكثار من النوع الواحد كالإكثار من الأنواع ، وحينئذ يحسن معه التفصيل . نعم ، يظهر أثرها فيما إذا أتى بأنواع من الصغائر ، فإن قلنا : بالأول لم يضر ، وإن قلنا بالثاني ضر .