مسألة وقد قال الفاسق المتأول وهو الذي لا يعرف فسق نفسه اختلفوا في شهادته أقبل شهادة الحنفي وأحده إذا شرب النبيذ ; لأن هذا فسق غير مقطوع به إنما المقطوع به فسق الشافعي الخوارج الذين استباحوا الديار وقتلوا الذراري وهم لا يدرون أنهم فسقة .
وقد قال تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الشافعي الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم في المذهب . واختار أنه لا تقبل رواية المبتدع وشهادته لأنه فاسق بفعله وبجهله بتحريم فعله ففسقه مضاعف ، وزعم أن جهله بفسق نفسه كجهله بكفر نفسه ورق نفسه . ومثار هذا الخلاف أن الفسق يرد الشهادة لأنه نقصان منصب يسلب الأهلية كالكفر والرق أو هو مردود القول للتهمة ، فإن كان للتهمة فالمبتدع متورع عن الكذب فلا يتهم ، وكلام القاضي مشير إلى هذا وهو في محل الاجتهاد ، فمذهب الشافعي أن الكفر والفسق لا يسلبان الأهلية بل يوجبان التهمة ولذلك قبل شهادة أبي حنيفة أهل الذمة بعضهم على بعض ، ومذهب أن كليهما نقصان منصب يسلب الأهلية ، ومذهب القاضي أن الكفر نقصان والفسق موجب للرد للتهمة ، وهذا هو الأغلب على الظن عندنا . الشافعي
فإن قيل : هذا مشكل على من وجهين أحدهما أنه قضى بأن النكاح لا ينعقد بشهادة الفاسق وذلك لسلب الأهلية ، الثاني : أنه إن كان للتهمة فإذا غلب على ظن القاضي صدقه فليقبل قلنا : أما الأول فمأخذه قوله صلى الله عليه وسلم : { الشافعي } وأما الثاني فسببه أن الظنون تختلف ، وهو أمر خفي ناطه الشرع بسبب ظاهر وهو عدد مخصوص ووصف مخصوص وهو العدالة ، فيجب اتباع السبب الظاهر دون المعنى الخفي كما في العقوبات وكما في رد شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر ، فإنه قد يتهم وترد شهادته [ ص: 128 ] لأن الأبوة مظنة للتهمة فلا ينظر إلى الحال ، وإنما مظنة التهمة ارتكاب الفسق مع المعرفة دون من لا يعرف ذلك . لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
ويدل أيضا على مذهب قبول الصحابة قول الشافعي الخوارج في الأخبار والشهادة وكانوا فسقة متأولين وعلى قبول ذلك درج التابعون لأنهم متورعون عن الكذب جاهلون بالفسق . فإن قيل : فهل يمكن دعوى الإجماع في ذلك ؟ قلنا : لا ، فإنا نعلم أن والأئمة قبلوا قول قتلة عليا عثمان والخوارج ، لكن لا نعلم ذلك من جميع الصحابة فلعل فيهم من أضمر إنكارا لكن لم يرد على الإمام في محل الاجتهاد ، فكيف ولو قبل جميعهم خبرهم فلا يثبت أن جميعهم اعتقدوا فسقهم ؟ وكيف يفرض والخوارج من جملة أهل الإجماع وما اعتقدوا فسق أنفسهم بل فسق خصومهم وفسق عثمان وطلحة ووافقهم عليه عمار بن ياسر وعدي بن حاتم وابن الكواء وجماعة من الأمراء والأشتر النخعي في تقية من الإنكار عليهم خوف الفتنة ؟ فإن قيل لو لم يعتقدوا فسق وعلي الخوارج لفسقوا .
قلنا على أنهم اعتقدوا رد خبر الفاسق للتهمة ولم يتهموا المتأول ، والله أعلم .