تصد وتبدي عن أسيل وتتقي بناظرة من وحش وجرة مطفل وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
إذا هي نصته ولا بمعطل
معنى قوله " عن أسيل " : أي بأسيل ، وإنما يريد خدا ليس بكز .
وقوله " ، تتقي " يقال : اتقاه بحقه أي جعله بينه وبينه .
[ ص: 179 ] وقوله : " تصد وتبدي عن أسيل " : متفاوت ، لأن الكشف عن الوجه مع الوصل دون الصد .
وقوله : " تتقي بناظرة " : لفظة مليحة ، ولكن أضافها إلى ما نظم به كلامه ، وهو مختل ، وهو قوله : " من وحش وجرة " ! وكان يجب أن تكون العبارة بخلاف هذا ، كان من سبيله أن يضيف إلى عيون الظباء أو المها دون إطلاق الوحش ، ففيهن ما تستنكر عيونها .
وقوله " مطفل " فسروه على أنها ليست بصبية ، وأنها قد استحكمت ، وهذا اعتذار متعسف . وقوله " مطفل " : زيادة لا فائدة فيها على هذا التفسير الذي ذكره . ولكن قد يحتمل - عندي - أن يفيد غير هذه الفائدة ، فيقال : إنها إذا كانت مطفلا لحظت أطفالها بعين رقة ، ففي نظر هذه رقة نظر المودة ، ويقع الكلام معلقا تعليقا متوسطا . الأصمعي
وأما البيت الثاني فمعنى قوله : " ليس بفاحش " : أي ليس بفاحش الطول .
ومعنى قوله : " نصته " : رفعته . ومعنى قوله : " ليس بفاحش " - في مدح الأعناق - كلام فاحش موضوع منه ! وإذا نظرت في أشعار العرب رأيت في وصف الأعناق ما يشبه السحر ، فكيف وقع على هذه الكلمة ، ودفع إلى هذه اللفظة ؟ ! وهلا قال كقول : أبي نواس
مثل الظباء سمت إلى روض صوادر عن غدير
* * *
ولست أطول عليك فتستثقل ، ولا أكثر القول في ذمه فتستوحش .
وأكلك الآن إلى جملة من القول ، فإن كنت من أهل الصنعة ، فطنت واكتفيت وعرفت ما رمينا إليه واستغنيت .
وإن كنت عن الطبقة خارجا ، وعن الإتقان بهذا الشأن خاليا - فلا يكفيك البيان ، وإن استقرينا جميع شعره ، وتتبعنا عامة ألفاظه ، ودللنا على ما في كل حرف منه .
[ ص: 180 ] اعلم أن هذه القصيدة قد ترددت بين أبيات سوقية مبتذلة ، وأبيات متوسطة ، وأبيات ضعيفة مرذولة ؛ وأبيات وحشية غامضة مستكرهة ، وأبيات معدودة بديعة .
وقد دللنا على المبتذل منها ، ولا يشتبه عليك الوحشي المستنكر ، الذي يروع السمع ، ويهول القلب ، ويكد اللسان ، ويعبس معناه في وجه كل خاطر ، ويكفهر مطلعه على كل متأمل أو ناظر ، ولا يقع بمثله التمدح والتفاصح . وهو مجانب لما وضع له أصل الإفهام ، ومخالف لما بني عليه التفاهم بالكلام . فيجب أن يسقط عن الغرض المقصود ، ويلحق باللغز والإشارات المستبهمة .
* * *
فأما الذي زعموا أنه من بديع الشعر ، فهو قوله :
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
والمصراع الأخير عندهم بديع ، ومعنى ذلك : أنها مترفة متنعمة ، لها من يكفيها .
ومعنى قوله : " لم تنتطق عن تفضل " ، يقول : لم تنتطق وهي فضل ، و " عن " هي بمعنى " بعد " . قال : لم تنتطق فتعمل ، ولكنها تتفضل . أبو عبيدة
* *