إذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض أثناء الوشاح المفصل
قد أنكر عليه قوم قوله : " إذا ما الثريا في السماء تعرضت " ، وقالوا : الثريا لا تتعرض ، حتى قال بعضهم : سمى الثريا وإنما أراد الجوزاء ، لأنها تعرض ، والعرب تفعل ذلك ، كما قال زهير : " كأحمر عاد " وإنما هو أحمر ثمود .
وقال بعضهم في تصحيح قوله إنما تعرض : أول ما تطلع وحين [ ص: 173 ] تغرب ، كما أن الوشاح إذا طرح يلقاك بعرضه ، وهو ناحيته . وهذا كقول الشاعر :
تعرضت لي بمجاز خل تعرض المهرة في الطول
يقول : تريك عرضها وهي في الرسن .
وقال أبو عمرو : يعني إذا أخذت الثريا في وسط السماء ، كما يأخذ الوشاح وسط المرأة .
والأشبه عندنا : أن البيت غير معيب من حيث عابوه به ، وأنه من محاسن هذه القصيدة ، ولولا أبيات عدة فيه لقابله ما شئت من شعر غيره ، ولكن لم يأت فيه بما يفوت الشأو ، ويستولي على الأمد .
أنت تعلم أنه ليس للمتقدمين ولا للمتأخرين في وصف شيء من النجوم مثل ما في وصف الثريا ، وكل قد أبدع فيه وأحسن ، فإما أن يكون قد عارضه أو زاد عليه .
فمن ذلك قول : ذي الرمة
وردت اعتسافا والثريا كأنها على قمة الرأس ابن ماء محلق
[ ص: 174 ] ومن ذلك قول : ابن المعتز
وترى الثريا في السماء كأنها بيضات أدحي يلحن بفدفد
وكقوله :
كأن الثريا في أواخر ليلها تفتح نور أو لجام مفضض
وقوله أيضا :
فناولنيها والثريا كأنها جنى نرجس حيى الندامى به الساقي
وقول الأشهب بن رميلة :
ولاحت لساريها الثريا كأنها لدى الأفق الغربي فرط مسلسل
ولابن المعتز :
وقد هوى النجم والجوزاء تتبعه كذات قرط أرادته وقد سقطا
أخذه من في قوله : ابن الرومي
طيب ريقه إذا ذقت فاه والثريا بجانب الغرب قرط
ولابن المعتز :
قد سقاني المدام والصـ ـصبح بالليل مؤتزر
والثريا كنور غصـ ـن على الأرض قد نثر
وقوله :
وتروم الثريا في السماء مراما
[ ص: 175 ]
كانكباب طمر كاد يلقي لجاما
ولابن الطثرية :
إذا ما الثريا في السماء كأنها جمان وهى من سلكه فتبددا
ولو نسخت لك كل ما قالوا من البديع في وصف الثريا - لطال عليك الكتاب ، وخرج عن الغرض ، وإنما نريد أن نبين لك أن الإبداع في نحو هذا أمر قريب ، وليس فيه شيء غريب .
وفي جملة ما نقلناه ما يزيد على تشبيهه في الحسن ، أو يساويه ، أو يقاربه . فقد علمت أن ما حلق فيه ، وقدر المتعصب له أنه بلغ النهاية فيه - أمر مشترك ، وشريعة مورودة ، وباب واسع ، وطريق مسلوك . وإذا كان هذا بيت القصيدة ، ودرة القلادة ، وواسطة العقد وهذا محله - فكيف بما تعداه ؟ !
ثم فيه ضرب من التكلف ؛ لأنه قال : " إذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرض أثناء الوشاح " ، فقوله : " تعرضت " : من الكلام الذي يستغنى عنه ؛ لأنه يشبه أثناء الوشاح بالثريا ، سواء كان في وسط السماء ، أو عند الطلوع والمغيب ، فالتهويل بالتعرض ، والتطويل بهذه الألفاظ ، لا معنى له .
وفيه : أن الثريا كقطعة من الوشاح المفصل ؛ فلا معنى لقوله : " تعرض أثناء الوشاح " ، وإنما أراد أن يقول : تعرض قطعة من أثناء الوشاح ، فلم يستقم له اللفظ ، حتى شبه ما هو كالشيء الواحد بالجمع .
* * *