الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا إن جر بها نفعا : كعلى مورثه المحصن [ ص: 421 ] بالزنا ، أو قتل العمد إلا الفقير ; أو بعتق من يتهم في ولائه ، أو بدين لمدينه ، [ ص: 422 ] بخلاف المنفق للمنفق عليه ، وشهادة كل للآخر وإن بالمجلس [ ص: 423 ] والقافلة بعضهم لبعض ; في حرابة

التالي السابق


( ولا ) تقبل الشهادة ( إن جر ) الشاهد ( بها ) أي الشهادة ( نفعا ) لنفسه ( ك ) شهادة فقير ( على مورثه المحصن بالزنا أو قتل [ ص: 421 ] العمد ) العدوان فلا تقبل لاتهامه بقصد قتله ليرثه . وخرج بالمحصن البكر وبالعمد الخطأ فتقبل لعدم التهمة . وقيد أشهب عدم القبول بكون المشهود عليه غنيا واعتمده المصنف فقال ( إلا ) المورث ( الفقير ) فتقبل شهادة وارثه عليه بالزنا أو قتل العمد لعدم التهمة ( أو ) شهادة ( بعتق من ) أي رقيق ( يتهم ) بضم التحتية الشاهد ( في ) الاختصاص ب ( ولائه ) عن الإناث من ورثة معتقه والرقيق ذو مال ، فإن لم يتهم فيها لعدم الإناث في الورثة أو عدم مال الرقيق فتقبل الشهادة بعتقه . ابن عرفة في ثاني عتقها إن شهد وارثان أن الميت أعتق هذا العبد ، فإن كان معهما نساء والعبد يرغب في ولائه فلا تجوز شهادتهما ، وإن كان لا يرغب في ولائه أو لم يكن معهم نساء جازت شهادتهما . ( أو ) شهادة ( بدين لمدينه ) أي الشاهد فلا تقبل لاتهامه بقصد أخذه في دينه الذي على المشهود له ، وظاهره كان المشهود له غنيا أو فقيرا اتحد الدينان في الصفة أو اختلفا كان الدين حالا أو مؤجلا . ومفهوم بدين أن شهادته له بغير المال مقبولة وهو كذلك قاله غير واحد من الأشياخ . وفي العتبية من سماع ابن القاسم جواز شهادة رب الدين للمدين ابن القاسم بلغني عن مالك رضي الله تعالى عنه أنها تقبل إذا كان المدين موسرا ، وإن كان معسرا فلا تقبل . ابن رشد هذا الذي بلغه هو تفسير ما سمعه مجملا ، وهذا إذا كان الدين حالا أو قريب الحلول ، وأما إن بعد فجائزة كما لو كان مليا وكأن المصنف لم يعتبر قول ابن رشد أنه تفسير . قاله تت .

طفى فيه نظر ; لأنه إذا لم يعتبر قول ابن رشد أنه تفسير يكون قول ابن القاسم بالجواز مطلقا ، وما بلغه خلافا له ، فأين مستند المصنف بالمنع مطلقا ، فلا بد من القيد وهو ظاهر ابن شاس وابن الحاجب ، وأنه لا خصوصية للشهادة بالدين ، ولذا قال ابن مرزوق لو قال أو بمال لمدينه المعدم أو الملد لجمع القيود كلها . ا هـ . ونوقش ببقاء قيد الحلول [ ص: 422 ] أو قربه ، وعذر تت متابعة التوضيح التابع لقول ابن عبد السلام في المسألة ثلاثة أقوال : ردها مطلقا ، وعزاه لابن القاسم ، وجوازها مطلقا لأشهب ، ولبعضهم التفرقة بعد المليء والمعدم وتبعهما في الشامل ، وفيه نظر ، إذ لم أجد المنع مطلقا لابن القاسم ، وعلى كلام ابن رشد المتقدم اقتصر ابن عرفة ولم يحك فيها خلافا ، ولعلهما لم يقفا على كلام ابن رشد بدليل عزوهما التفرقة لبعضهم وهو في كلام ابن رشد لمالك فيما بلغ ابن القاسم ، وذلك كله في العتبية ، وقد أشار " ح " لما قلناه ، والله أعلم .

( بخلاف ) شهادة الشخص ( المنفق ل ) لشخص ا ( لمنفق عليه ) فإنها تقبل قريبا كان أو أجنبيا . ابن عرفة الصقلي ابن حبيب إن كان المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته له إذ لا تهمة . بعض المتأخرين وإن كانت المشهود له من قرابة الشاهد كأخيه انبغى أن لا تجوز شهادته له بمال ; لأنه وإن كانت نفقته لا تلزمه فإنه يلحقه بعد نفقته عليه وصلته معرة ، وإن كان المشهود له أجنبيا جازت شهادته له . الصقلي هذا استحسان ، ولا فرق بين القريب والأجنبي في رواية ابن حبيب ، والمسألة مقيدة بما إذا أنفق عليه لا ليرجع عليه ، وإلا فهي مما دخل في قوله أو لمدينه بدين . الحط وأما شهادة المنفق عليه للمنفق فلا تقبل كما نقله الشارح عنها ، ونقل في المسائل الملقوطة أنها مقبولة إذا كان مبرزا ، وذكر نصها وقال عقبه لعل صوابه المنفق للمنفق عليه وهي صورة المصنف وإلا فهو مشكل ، والله أعلم . ( و ) بخلاف ( شهادة كل ) من الشاهدين ( للآخر ) فإنها تقبل ، سواء شهد الثاني للأول على المشهود عليه أو على غيره إن كانت شهادة الثاني للأول بغير المجلس الأول ، بل ( وإن ) شهد الثاني للأول ( بالمجلس ) الأول هذا هو المشهور ، وقول ابن القاسم ابن عرفة سمع أبو زيد ابن القاسم إن شهد رجلان كل منهما لصاحبه بعشرة دنانير على رجل في مجلس واحد جازت شهادتهما إن كانا عدلين . ابن رشد في صحة شهادة المشهود له لمن شهد له في مجلس واحد وسقوطها . ثالثها إن كانت على رجلين ، وإن كانت في مجلسين جازت على رجلين ، وفي جوازها على رجل واحد قولان .

[ ص: 423 ] اللخمي عن الأخوين إن كانت على رجل واحد في مجلس واحد لم تجز ، وإن كانت شيئا بعد شيء . جازت ولو تقارب ما بين الشهادتين ، وإن كانت على رجلين جازت ، وإن كانت بمجلس واحد أرى رده جميعا ولو كانت على رجلين بمجلسين لفظا أو بكتاب لتهمتهما إلا أن يطول ما بينهما . المازري إن شهد رجلان بدين على رجل لرجلين شهدا لهما بدين عليه بمجلسين جازت ولو تقاربا ، وإن كانت بمجلس واحد ففي سقوطها نص قول الأخوين ، وظاهر قول أصبغ ثم ذكر اختيار اللخمي وأقره تت تلخص من كلامه منطوقا ومفهوما صور :

الأولى أن يشهد الشاهد على رجل بأن عليه لفلان عشرة دراهم ويشهد فلان المشهود له بأن للمشهود عليه للشاهد عشرة دراهم بمجلس واحد ، ففي هذه الصورة اتحد المشهود عليه والمشهود به والزمان والمكان ، فقال فيهما مطرف وابن الماجشون لا تقبلان ، وظاهر كلام المصنف قبولهما وهو ظاهر كلام ابن القاسم

. الثانية : تعدد المشهود عليه وباقيها بحاله ، والمذهب قبولها ، ورأى اللخمي عدمه . الثالث : تعدد المجلس والباقي بحاله ، وهي كالتي قبلها فيما تقدم . وحكى المازري الاتفاق فيها ولم يعتبر رأي اللخمي .

الرابعة : اختلاف الكل وطول الزمان ولم يعلم خلاف في قبولها فيها . ( و ) بخلاف شهادة ( القافلة بعضهم لبعض في حرابة ) على المحاربين فتقبل مع العداوة للضرورة ، وظاهره كانوا عدولا أو لا . وفيها إن كانوا عدولا وسواء شهدوا بمال أو قتل أو غيرهما . طفى قوله وظاهره كانوا عدولا أو لا ، ليس هذا ظاهر كلام المصنف ; لأن كلامه في مقبول الشهادة . البناني وهذا إذا شهدوا في حرابة . وأما إن شهد بعضهم على بعض في معاملة ففي " ق " روى الأخوان عن الإمام مالك وجميع أصحابه رضي الله تعالى عنهم أنها جائزة للضرورة بمجرد توهم الحرية والعدالة في ذلك السفر وحده ، وإن لم تتحقق العدالة ، وعليه درج في التحفة إذ قال :

ومن عليه وسم خير قد ظهر زكي إلا في ضرورة السفر

[ ص: 424 ] ابن عرفة فيها تجوز على المحاربين شهادة من حاربوه إن كانوا عدولا ، إذ لا سبيل إلى غير ذلك شهدوا بقتل أو أخذ مال أو غيره ، ولا تقبل شهادة أحد منهم لنفسه ، وتقبل شهادة بعضهم لبعض . وسمع يحيى بن القاسم إن شهد مسلوبون على أن هؤلاء سلبونا هذه الثياب والدواب وهي قائمة بأيديهم أقيم عليهم بشهادتهم ولا يستحقون المتاع ولا الدواب إلا بشهيدين سواهما . ابن رشد قيل هذه مخالفة لما فيها ، إذ لم يقل يحلف كل منهما مع شهادة صاحبه ويستحق حقه على قبيل قوله في سرقتها أنه يقام على المحاربين الحد ويعطون المال بشهادة بعضهم لبعض .

وقيل ليست مخالفة له ومعنى السماع أنهما شريكان في المتاع والدواب ، فلذا سقطت شهادة أحدهما للآخر . وقيل يستحقان الدواب والمتاع وإن كانا شريكين فيهما وهو الآتي على رواية مطرف في أن شهادة شهيدين من المسلوبين على من سلبوهم جائزة في الحد والمال لأنفسهما ولأصحابهما ; لأنها إذا جازت في الحد جازت في المال لأنفسهما ولغيرهما ، إذ لا يجوز بعض الشهادة ويرد بعضها . وقيل لا تجوز في حد ولا في مال لغيرهما ، إذ لم تجز لأنفسهما ; لأن من اتهم في بعض شهادته ردت كلها ، وهذا قول أصبغ . ثم قال ففي صحتها في الحد والمال ولو لأنفسهما وردها فيهما ولو بالمال لغيرهما . ثالثها في الحد والمال لغيرهما لا لأنفسهما ، ثم قال ورابعها لا تجوز من أقل من أربعة فتجوز في الحد وفي أموال الرفقة ولا في أموال الشهداء . هذا كله إن كان ما شهدوا به لأنفسهم كثيرا ، وإن كان يسيرا لا يتهمون عليه جازت لهم ولغيرهم لا يدخل فيه الاختلاف الذي في الوصية لموضع الضرورة ، ولو شهدوا عليهم بالسلب دون المال جازت عليهم في الحد وبعضهم لبعض بعد ذلك فيما وجد بأيديهم من المال اتفاقا فيهما .




الخدمات العلمية