ولما قصر نفسه الشريفة على الإنذار؛ وكانوا ينازعون فيه؛ وينسبونه إلى الكذب؛ دل على صدقه؛ وعلى عظيم هذا النبإ بقوله: ما كان لي ؛ وأعرق في النفي بالتأكيد في قوله: من علم ؛ أي: من جهة أحد من الناس؛ كما تعرفون ذلك من حالي؛ له إحاطة ما بالملإ ؛ أي: الفريق المتصف بالشرف؛ الأعلى ؛ وهم الملائكة؛ أهل السماوات العلا؛ وآدم وإبليس؛ وكأن مخاطبة الله لهم كانت بواسطة ملك؛ كما هو أليق بالكبرياء والجلال؛ فصح أن المقاولة بين الملإ؛ إذ ؛ أي: حين؛ ولما أفرد وصف الملإ؛ إيذانا بأنهم في الاتفاق في علو رتبة الطاعة كأنهم شيء واحد؛ جمع؛ لئلا يظن حقيقة الوحدة؛ فقال: يختصمون ؛ أي: في شأن آدم - عليه السلام -؛ [ ص: 417 ] بل الخليفة المطلق؛ لأن خلافة أولاده من خلافته؛ وفي الكفارات الواقعة من بينه؛ كما أنه ما كان لي من علم بأهل النار؛ إذ يختصمون؛ ولا بالخصم الذين دخلوا على أول خليفة في الأرض؛ داود - عليه السلام - الذي جعله الله (تعالى) خليفة في الأرض؛ إذ يختصمون؛ وقد علمت ذلك علما مطابقا للحق؛ بشهادة الكتب القديمة؛ وأنتم تعلمون أني لم أخالط عالما قط؛ فهذا علم من أعلام النبوة واضح في أني لم أعلم ذلك إلا بالوحي؛ لكوني رسول الله؛ وعبر هنا بالمضارع - وإن كان قد وقع ومضى من أول الدهر - تذكيرا بذلك الحال؛ وإعلاما بما هم فيه الآن من مثله في الدرجات؛ كما سيأتي قريبا في الحديث القدسي؛ وعبر في تخاصم أهل النار - وهو لم يأت - بالماضي؛ تنبيها على أن وقوعه مما لا ريب فيه؛ فكأنه وقع؛ وفرغ منه؛ لأنه قد فرغ من قضائه من لا يرد له قضاء؛ لأنه الواحد؛ فلا شريك له؛ ولا منازع.