ثم لترونها تكرير للتأكيد وثم للدلالة على الأبلغية، وجوز أن تكون الرؤية الأولى إذا رأتهم من بعيد، والثاني إذا وردوها أو إذا دخلوها أو الأولى إذا وردوها والثانية إذا دخلوها، أو الأولى المعرفة والثانية المشاهدة والمعاينة، وقيل: يجوز أن يكون المراد: لترون الجحيم غير مرة، إشارة إلى الخلود وهذا نحو التثنية في قوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين وهو خلاف الظاهر جدا.
عين اليقين أي الرؤية التي هي نفس اليقين، فإن الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات فهو أحق بأن يكون عين اليقين، ف «عين» بمعنى النفس، مثله في نحو: جاء زيد نفسه، وهو صفة مصدر مقدر أي: رؤية عين اليقين، والعامل فيه: لترونها وجوز أن يكون متنازعا فيه للفعلين قبله، وفي إطلاقه كلام لا أظنه يخفى عليك. واليقين في اللغة على ما قال السيد السند: العلم الذي لا شك فيه، وفي الاصطلاح: اعتقاد الشيء أنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا اعتقادا مطابقا للواقع غير ممكن الزوال. وقال اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وإخوتهما. يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين، وهو سكون النفس مع ثبات الفهم. وفسر السيد اليقين بما سمعت، ونقل عن أهل الحقيقة عدة تفسيرات فيه، وعلم اليقين بما أعطاه الدليل من إدراك الشيء على ما هو عليه، وعين اليقين بما أعطاه المشاهدة والكشف، وجعل وراء ذلك حق اليقين، وقال على سبيل التمثيل علم كل عاقل بالموت علم اليقين، وإذا عاين الملائكة عليهم السلام فهو عين اليقين، وإذا ذاق الموت فهو حق اليقين، ولهم غير ذلك. ومبنى أكثر ما قالوه على الاصطلاح فلا تغفل. الراغب:
وقرأ ابن عامر «لترون» بضم التاء، وقرأ والكسائي: كرم الله تعالى وجهه علي في رواية وابن كثير كذلك بفتحها في: «لترون» وضمها في «لترونها» وعاصم ومجاهد وأشهب بضمها فيهما. وروي عن وابن أبي عبلة الحسن وأبي عمرو بخلاف عنهما أنهما همزا الواوين، ووجه بأنهم استثقلوا الضمة على الواو فهمزوا للتخفيف كما همزوا في وقت، وكان القياس ترك الهمز؛ لأن الضمة حركة عارضة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها لكن لما لزمت الكلمة بحيث لا تزول أشبهت الحركة الأصلية فهمزوا، وقد همزوا من الحركة العارضة التي تزول في الوقف نحو: «اشترؤا الضلالة» فالهمز من هذه أولى.