أخرج ابن بشر عن وابن عساكر قال: لما وجد الحسن زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل، قال لها: أنى لك هذا في غير حينه. قالت: هو رزق من عند الله يأتيني به الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فطمع زكريا في الولد فقال: إن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر على أن يصلح لي زوجتي ويهب لي منها ولدا فعند ذلك دعا ربه، وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم، قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله تعالى، وقيل: أطمعه في الولد فدعا مع أنه كان شيخا فانيا وكانت امرأته عاقرا لما أن الحال نبهته على جواز ولادة العاقر من الشيخ من وجوه: الأول: ما أشار إليه الأثر من حيث أن الولد بمنزلة الثمر والعقر بمنزلة غير أوانه، والثاني: أنه لما رأى تقبل أنثى مكان الذكر تنبه لأنه يجوز أن يقوم الشيخ مقام الشاب والعاقر مقام الناتج، والثالث: أنه لما رأى تقبل الطفل مقام الكبير للتحرير تنبه لذلك، والرابع: أنه لما رأى تكلم مريم في غير أوانه تنبه لجواز أن تلد امرأته في غير أوانه، والخامس: أنه لما سمع من مريم إن الله يرزق من يشاء بغير حساب تنبه لجواز أن تلد من غير استعداد; ولا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من الخدش، وعلى العلات ليس ما رأى فقط علة موجبة للإقبال على الدعاء بل كان جزءا من العلة التامة التي من جملتها كبر سنه عليه السلام وضعف قواه وخوف مواليه حسبما فصل في سورة مريم.
(قال) شرح للدعاء وبيان لكيفيته رب هب لي من لدنك الجاران متعلقان بما قبلهما وجاز لاختلاف المعنى، و (من) لابتداء الغاية مجازا أي أعطني من عندك ذرية طيبة أي مباركة كما قال وقيل: صالحة تقية نقية العمل، ويجوز أن يتعلق الجار الأخير بمحذوف وقع حالا من ذرية، وجاء الطلب بلفظ الهبة لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابلة شيء وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنه ولا للوالدة لكونها عاقرة لا تلد فكأنه قال: أعطني ذرية من غير وسط معتاد، والذرية في المشهور النسل تقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى. السدي،
والمراد ههنا ولد واحد; قال وأنث الطيبة لتأنيث لفظ الذرية والتأنيث والتذكير تارة يجيئان على اللفظ [ ص: 145 ] وأخرى على المعنى وهذا في أسماء الأجناس كما في قوله: الفراء:
أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال
بخلاف الأعلام فإنه لا يجوز أن يقال: جاءت طلحة لأن اسم العلم لا يفيد إلا ذلك الشخص فإذا كان مذكرا لم يجز فيه إلا التذكير.إنك سميع الدعاء [ 38 ] أراد كثير الإجابة لمن يدعوك من خلقك وهو تعليل لما قبله وتحريك لسلسلة الإجابة، وفي ذلك اقتداء بجده الأعلى إبراهيم عليه السلام إذ قال: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء قيل: قد ذكر الله تعالى في كيفية دعائه ثلاث صيغ: إحداها: هذه، والثانية: إني وهن العظم مني الخ، والثالثة: رب لا تذرني فردا الخ، فدل على أن الدعاء تكرر منه ثلاث مرات كل مرة بصيغة، ويدل على أن بين الدعاء والإجابة زمانا، ويصرح به ما نقل في بعض الآثار أن بينهما أربعين سنة، وفيه منع ظاهر لجواز أن تكون الصيغ الثلاث حكاية لدعاء واحد مرة على سبيل الإيجاز، وتارة على سبيل الإسهاب، وأخرى على سبيل التوسط، وهذه الحكاية في هذه الصيغ إنما هي بالمعنى إذ لم يكن لسانهم عربيا; ولهذا ورد عن أنه عليه السلام حين دعا قال: يا رازق الحسن مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك ذرية، ولم يذكر في الدعاء يا رب، قيل: ويدل على أنه دعاء واحد متعقب بالتبشير العطف بالفاء في قوله تعالى: