11 – كما أخرج ذلك ابن النحاس في تاريخه وأبو الشيخ من طرق عن وابن مردويه رضي الله تعالى عنهما ابن عباس عن وابن مردويه رضي الله تعالى عنهما ولم يستثنيا منها شيئا وإلى ذلك ذهب الجمهور واستثنى بعضهم منها ثلاث آيات عبد الله بن الزبير فلعلك تارك
أفمن كان على بينة من ربه
وأقم الصلاة طرفي النهار وروي استثناء الثالثة عن قال قتادة الجلال السيوطي : ودليله ما صح من عدة طرق أنها نزلت بالمدينة في حق أبي اليسر وهي كما قال الداني في كتاب العدد مائة وإحدى وعشرون آية في المدني الأخير واثنتان في المدني الأول وثلاث في الكوفي ووجه اتصالها بسورة يونس عليه السلام أنه ذكر في سورة يونس قصة نوح عليه السلام مختصرة جدا مجملة فشرحت في هذه السورة وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور ولا سورة الأعراف على طولها ولا سورة (إنا أرسلنا نوحا) التي أفردت لقصته فكانت هذه السورة شرحا لما أجمل في تلك السورة وبسطا له ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمطلع تلك فإن قوله تعالى هنا: الر كتاب أحكمت آياته نظير قوله سبحانه هناك: الر تلك آيات الكتاب الحكيم بل بين مطلع هذه وختام تلك شدة ارتباط أيضا حيث ختمت بنفي الشرك واتباع الوحي وافتتحت هذه ببيان الوحي والتحذير من الشرك وورد في فضلها ما ورد فقد أخرج الدارمي في مراسيله وأبو داود في شعب الإيمان وغيرهم عن والبيهقي كعب قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اقرأوا هودا يوم الجمعة . وأخرج وحسنه الترمذي وابن المنذر وصححه والحاكم في البعث والنشور من طريق والبيهقي عن عكرمة قال: ابن عباس رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله قد شبت قال: شيبتني أبو بكر هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت . وأخرج قال من طريق ابن عساكر يزيد الرقاشي عن أنس عن رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله أسرع إليك الشيب قال: أجل شيبتني سورة الصديق هود وأخواتها الواقعة والقارعة والحاقة وإذا الشمس كورت وسأل سائل
وقد جاء في بعض الروايات أيضا أن رضي الله تعالى عنه قال له عليه الصلاة والسلام: أسرع إليك الشيب يا رسول الله عمر فأجابه بنحو ما ذكر إلا أنه ذكر من الأخوات الواقعة وعم وإذا الشمس كورت وفي رواية أخرى قال: قلت يا رسول الله لقد شبت فقال: شيبتني سعد بن أبي وقاص هود والواقعة إلى [ ص: 203 ] آخر ما في خبر عن وفي بعضها الاقتصار على (شيبتني هود وأخواتها) وفي بعض آخر بزيادة (وما فعل بالأمم من قبلي) وقد أخرج ذلك عمر عن ابن عساكر جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما مرفوعا
وأخرج وغيره عن ابن مردويه عمران بن حصين هود وأخواتها من المفصل والواقعة . وكل ذلك يدل على خطرها وعظم ما اشتملت عليه وأشارت إليه وهو الذي صار سببا لإسراع الشيب إليه صلى الله تعالى عليه وسلم وفسره بعضهم بذكر يوم القيامة وقصص الأمم ويشهد له بعض الآثار وأخرج أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له أصحابه: أسرع إليك الشيب فقال: شيبتني في شعب الإيمان عن البيهقي أبي علي الشتري قال: رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله روي عنك أنك قلت: شيبتني هود قال: نعم فقلت: ما الذي شيبك منها قصص الأنبياء عليهم السلام وهلاك الأمم؟ قال: لا ولكن قوله تعالى: فاستقم كما أمرت وهذا هو الذي اعتمد عليه بعض السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وبينه بما بينه والحق أن الذي شيبه صلى الله تعالى عليه وسلم ما تضمنته هذه السورة أعم من هذا الأمر وغيره مما عظم أمره على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمقتضى علمه الجليل ومقامه الرفيع وهذا هو المنقدح لذهن السامع ولذلك لم يسأله صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه عما شيبه منها ومن أخواتها بل اكتفوا بما يتبادر من أمثال ذلك الكلام
ودعوى أن المتبادر لهم رضي الله تعالى عنهم ما خفي على أبي علي فلذلك لم يسألوا على تقدير تسليمها يبقى أنهم لم لم يسألوا عما شيبه عليه الصلاة والسلام من الأخوات مع أنه ليس فيها إلا ذكر يوم القيامة وهلاك الأمم دون ذلك الأمر؟ وكونهم علموا أن المشيب فيها ذلك وفي أخواتها شيء آخر هو ذكر يوم القيامة وهلاك الأمم يأباه ما في خبر أبي علي من نفيه صلى الله عليه وسلم وكون ما ذكر مشيبا مفهوما ما من سورة دون أخرى لا يخفى حاله وبالجملة لا ينبغي التعويل على هذه الرواية وإن سلم أنها صحت عن أبي علي واتهام الرائي بعدم الحفظ أو بعدم تحقيق المرئي أهون من القول بصحة الرؤية والتكلف لتوجيه ما فيها وسيأتي في آخر السورة إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام فليفهم
بسم الله الرحمن الرحيم ( الر ) اسم للسورة على ما ذهب إليه الخليل وغيرهما أو للقرآن على ما روي عن وسيبويه الكلبي وقيل: إنها إشارة إلى اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته سبحانه وقيل: هي إقسام منه تعالى بما هو من أصول اللغات ومبادئ كتبه المنزلة ومباني أسمائه الكريمة وقيل وقيل وقد تقدم الكلام فيما ينفعك هنا على أتم تفصيل واختار غير واحد من المتأخرين كونها اسما للسورة وأنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه السورة مسماة - بالر - وقيل: محلها الرفع على الابتداء أو النصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر أو اقرأ وقوله سبحانه: والسدي كتاب خبر لها على تقدير ابتدائيتها أو لمبتدأ محذوف على غيره من الوجوه والتنوين فيه للتعظيم أي كتاب عظيم الشأن جليل القدر أحكمت آياته أي نظمت نظما محكما لا يطرأ عليه اختلال فيكون فيه تناقض أو مخالفة للواقع والحكمة أو شيء مما يخل بفصاحته وبلاغته فالإحكام مستعار من إحكام البناء بمعنى إتقانه أو منعت من النسخ لبعضها أو لكلها بكتاب آخر كما وقع للكتب السالفة فالإحكام من أحكمه إذا منعه ويقال: أحكمت السفيه إذا منعته من السفاهة ومنه قول جرير
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم إن أغضبا
[ ص: 204 ] وقيل: المراد منعت من الفساد أخذا من أحكمت الدابة إذا جعلت في فمها الحكمة وهي حديدة تجعل في فم الدابة تمنعها من الجماح فكأن ما فيها بيان المبدأ والمعاد بمنزلة دابة منعها الدلائل من الجماح ففي الكلام استعارة تمثيلية أو مكنية وتعقب بأن تشبيهها بالدابة مستهجن لا داعي إليه ولعل الذوق يفرق بين ذلك وبين تشبيهها بالجمل الأنوف الوارد في بعض الآثار لانقيادها مع المتأولين لكثرة وجوه احتمالاتها الموافقة لأغراضهم .واعترض بعضهم على إرادة المنع في الفساد بأن فيه إيهام ما لا يكاد يليق بشأن الآيات الكريمة من التداعي إلى الفساد لولا المانع فالأول إذ يراد معنى المنع أن يراد المنع من النسخ ويراد من الكتاب القرآن وعدم نسخه كلا أو بعضا على حسب ما أشرنا إليه وكون ذلك خلاف الظاهر في حيز المنع .
وادعى بعضهم أن المراد بالآيات آيات هذه السورة وكلها محكمة غير منسوخة بشيء أصلا وروي ذلك عن وخولف فيه وادعى أن فيها من المنسوخ أربع آيات قوله سبحانه: ابن زيد إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون والتي تليها ونسخت جميعا بآية السيف و من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآية ونسخت بقوله سبحانه: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ولا يخلو عن نظر ويجوز أن يكون المعنى منعت من الشبه بالحجج الباهرة وأيدت بالأدلة الظاهرة أو جعلت حكيمة أي ذات حكمة لاشتمالها على أصول العقائد والأعمال الصالحة والنصائح والحكم والفعل على هذا منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما ومنه قول نمر بن تولب:
وأبغض بغيضك بغضا رويدا إذا أنت حاولت أن تحكما
وأنت تعلم أن القول بالتراخي في الرتبة أولى خلا أن تراخي رتبة التفصيل بأحد المعنيين الأولين عن رتبة الإحكام أمر ظاهر وبالمعنى الثالث فيه نوع خفاء ولا يخفى عليك أن الاحتمالات في الآية الحاصلة من ضرب معاني الإحكام الأربعة في معاني التفصيل كذلك وضرب المجموع في احتمالات المراد بثم تبلغ اثنين وثلاثين أو ثمانية وأربعين احتمالا ولا حجر ذكر للإحكام على ما في الكشف ثلاثة أوجه [ ص: 205 ] أخذه من إحكام البناء نظرا إلى التركب البالغ حد الإعجاز أو من الإحكام جعلها حكيمة أو جعلها ذات حكمة فيفيد معنى المنع من الفساد وللتفصيل أربعة جعلها كالقلائد المفصلة بالفرائد لما فيها من دلائل التوحيد وأخواتها وجعلها فصولا سورة سورة وآية آية وتفريقها في التنزيل وتفصيل ما يحتاج إليه العباد وبيانه فيها روي هذا عن والزمخشري وقال: إن معنى (ثم) ليس التراخي في الوقت ولكن في الحال كما تقول هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل مجاهد
والظاهر أنه أراد في جميع الاحتمالات كذلك وفيه أيضا أنه إذا أريد بالإحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبي لأن الإحكام بالمعنى الأول راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى وبالمعنى الثاني وإن كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال وإن أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأن الإحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها وجعلها فصولا بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأن كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصفة وهذا تراخ وجودي ولما كان الكلام من السائلات كان زمانيا أيضا ولكن آثر التراخي في الحال مطلقا حملا على التراخي في الإخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول من الفاء إلى ثم وإن أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وإلا فإخباري والأحسن أن يراد بالإحكام الأول وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه ينطبق المطابقة بين (حكيم) و (خبير) و (أحكمت) و (فصلت) ثم قال: ومنه ظهر أن التراخي في الحال يشمل التراخي الرتبي والإخباري انتهى فليتأمل وقرئ (أحكمت) بالبناء للفاعل المتكلم و (فصلت) بفتحتين مع التخفيف وروي هذا عن الزمخشري والمعنى ثم فرقت بين الحق والباطل وقيل: (فصلت) هنا مثلها في قوله تعالى: ابن كثير ولما فصلت العير أي انفصلت وصدرت من لدن حكيم خبير 1 صفة لكتاب وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته وتفصيلها الدالين على علو مرتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى أي من عنده إحكامها وتفصيلها واختار هذا في الكشف . وفي الكشاف أن فيه طباقا حسنا لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور ففي الآية اللف والنشر وأصل الكلام على ما قال الطيبي : أحكم آياته الحكيم وفصلها الخبير ثم عدل عنه إلى أحكمت حكيم وفصلت خبير على حد قوله تعالى: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال على قراءة البناء للمفعول وقوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
وتذكر نعماه لدن أنت يافع
وفعلية كقوله:
صريع غوان راقهن ورقنه لدن شب حتى شاب سود الذوائب
وليت فلم تقطع لدن إن وليتنا قرابة ذي قربى ولا حق مسلم
لدن غدوة حتى دنت لغروب
وخرج على التمييز وحكى الكوفيون رفعها بعدها وخرج على إضمار كان وفيها ثماني لغات فمنهم من يقول لدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي اللغة المشهورة وتخفف الضمة كما في عضد وحينئذ يلتقي ساكنان فمنهم من يحذف النون لذلك فيبقى - لد - بفتح اللام وسكون الدال ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال فتحا في قول (لدن) بفتح اللام والدال وسكون النون ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال كسرا فيقول لدن بفتح اللام وكسر الدال وسكون النون ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر في قول لدن بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون وقد يخفف بنقل ضمة الدال إلى اللام كما يقال في عضد عضد بضم العين وسكون الضاد على قلة وحينئذ يلتقي ساكنان أيضا فمنهم من يحذف النون لذلك فيقول لد بضم اللام وسكون الدال ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول لدن بضم اللام وسكون الدال وكسر النون فهذه سبع لغات وجاء لد بحذف نون لدن التي هي أم الجميع وبذلك تتم الثمانية ويدل على أن أصل - لد - لدن أنك إذا أضفته لمضمر جئت بالنون فتقول: من لدنك ولا يجوز من لدك كما نبه عليه وذكر لها في همع الهوامع عشر لغات ما عدا اللغة القيسية فليراجع سيبويه