من قوم أمه ، وعقل جنايته عليهم ; لأنه لا نسب ولا ولاء من جانب الأب ، فيكون منسوبا إلى قوم الأم بالنسب إن كانت من العرب وبالولاء إن كانت من الموالي ، فإن وولد الملاعنة فعقل جنايته على عاقلة الأم أيضا ; لأن المعتق منسوب بالولاء إلى من ينسب إليه المعتق بواسطة ، وقد بينا أن المعتق منسوب إلى قوم أمه عليهم عقل جنايته ، فكذلك معتقه وإن أعتق ابن الملاعنة عبدا ، ورثه أقرب الناس من الأم من العصبات ; لأن الولد لما كان منسوبا إليها كانت هي في حقه كالأب ، ولو كان له أب كان ميراث معتقه لأقرب عصبة الأب بعد موته ، فكذلك هنا ولو مات العبد بعد موت الابن وأمه ولا وارث له غيره ، فإنه يرث المولى كأنه أخ المعتق لأبيه وأمه ; ولأن هذا الابن أقرب عصبة الأم في نسبة المعتق إليها كالأب ، فكذلك ابنها في استحقاق ميراث المعتق كابن الأب . كان لها ابن ثم مات المولى ولا وارث له غير ابن الأم ، وهو أخ المعتق لأمه
ولو لهذين [ ص: 124 ] المعنيين ، ولو لم يكن له وارث غير أمه لم يكن لها من الميراث شيء ; لما بينا أنه لا يرث من النساء بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن ، وكان الميراث لأقرب الناس منها من العصبات ; لأنها لما لم ترث شيئا كانت كالميتة ، فإن ادعاه الأب وهو حي ثبت النسب منه ; لأن النسب قد استتر باللعان بعد ما كان ثابتا منه بالفراش ، وبقي موقوفا على حقه ، فإذا ادعاه في حال قيام حاجته ثبت نسبه منه ، ورجع ولاء مواليه العتاقة والموالاة إليه ، ويرجع عاقلة الأم بما عقلوا عنهم على عاقلة الأب ، وما كانوا متبرعين في هذا الأداء بل كانوا مجبرين عليه في الحكم فيرجعون عليهم ، وقد بينا الفرق بين هذا وبين ما إذا جر الأب ولاء الولد بعد ما عقل عنه موالي الأم ، وإنما يرجعون على عاقلة الأب لما بينا أن النسب إنما يثبت من وقت العلوق فتبين أن عاقلة الأم أدوا ما كان مستحقا على عاقلة الأب ، وإن كان الابن ميتا لم تجز دعوة الأب إلا أن يكون بقي له ولد ; ولأنه بالموت استغنى عن النسب فدعوى الأب لا تكون إقرارا بالنسب بل تكون دعوى للميراث ، وهو في ذلك متناقض ، فإن خلف الولد ابنا فحاجة ابن الابن كحاجة الابن في تصحيح دعوى الأب ، ولو كان للمعتق أخ وأخت كان ميراث المولى للأخ دون الأخت جازت دعوته في قول كان ولد الملاعنة بنتا فماتت وتركت ولدا ، ثم ادعاه الأب أبي يوسف رحمهما الله تعالى ; لأن موتها عن ولد كموت ابن الملاعنة عن ولد ; وهذا لأن ولدها محتاج إلى إثبات نسب أمه ليصير كريم الطرفين ، وفي قول ومحمد رحمه الله تعالى لم تجز دعوته ; لأن نسب هذا الولد إلى أبيه دون أمه ، فإن الولد من قوم أبيه . أبي حنيفة
ألا ترى أن إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه من قريش ، وأن أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة فلا معتبر بوجود هذا الولد لما لم يكن منسوبا إليها ، فلهذا لا تصح دعوة الأب ، وإن لم يصدق باعتبار بقاء مولاه ; لأن الولاء أثر الملك ولو بقي له أصل الملك على العبد لم يصدق وهو في الدعوة باعتباره ، فبقاء الولاء أولى وهذا ; لأنه إنما يعتبر بقاء من يصير منسوبا إليه بالنسب إذا صحت دعوته ، والمولى لا يصير منسوبا إليه بالنسب ، وإذا كان ولد الملاعنة أعتق عبدا ، ثم مات لاعن ولد فادعى الأب نسبه ثبت نسبهما ; لأنهما خلقا من ماء واحد ، فبقاء أحدهما محتاجا إلى النسبة كبقائهما [ ص: 125 ] وإذا ثبت نسبهما جر الأب ولاء معتق الميت منهما إلى نفسه ، كما لو كان ثابت النسب منه حين أعتقه . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب وإليه المرجع والمآب . قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد انتهى شرح كتاب الولاء بطريق الإملاء من الممتحن بأنواع البلاء . يسأل من الله تعالى تبديل البلاء والجلاء بالعز والعلاء ، فإن ذلك عليه يسير وهو على ما يشاء قدير . وصلى الله على سيدنا لاعن بولدي توأم ، ثم أعتق أحدهما عبدا ومات فادعى الأب الحي منهما محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين .