1753 - مسألة : وفرض ، وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه ، لا حد في ذلك ، فإن لم يفعل أعطوا ولا بد ما رآه الورثة ، أو الوصي . على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون ، إما لرق ، وإما لكفر
فإن كان والداه ، أو أحدهما على الكفر ، أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصي لهما ، أو لأحدهما إن لم يكن الآخر كذلك ، فإن لم يفعل أعطي ، أو أعطيا من المال ولا بد ، ثم يوصي فيما شاء بعد ذلك .
فإن أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين أجزأه .
والأقربون : هم من يجتمعون مع الميت في الأب الذي به يعرف إذا نسب ، ومن جهة أمه كذلك أيضا : هو من يجتمع مع أمه في الأب الذي يعرف بالنسبة إليه ; لأن هؤلاء في اللغة أقارب ، ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء اسم أقارب بلا برهان .
برهان ذلك - : قول الله تعالى : { الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم } فهذا فرض كما تسمع ، فخرج منه الوالدان ، والأقربون الوارثون ، وبقي من لا يرث منهم على هذا الفرض .
وإذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء مفروض إخراجه لمن وجب له إن ظلم هو ، ولم يأمر بإخراجه ، وإذا أوصى لمن أمر به فلم ينه عن الوصية لغيرهم ، فقد أدى ما أمر به - وله أن يوصي بعد ذلك بما أحب .
ومن أوصى لثلاثة أقربين فقد أوصى للأقربين - وهذا قول طائفة من السلف - : روينا من طريق عن عبد الرزاق ، معمر ، كلاهما عن وابن جريج عن أبيه ، قال : من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على ذوي قرابته ، فإن لم يكن في أهله فقراء فلأهل الفقر من كانوا . [ ص: 354 ] ومن طريق عبد الله بن طاوس نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحسن ، قال : إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث : جاز لهم ثلث الثلث ، ورد على قرابته : ثلثا الثلث .
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو هلال عن عن قتادة أنه قال فيمن أوصى لثلاثة في غير قرابته ، فقال : للقرابة الثلثان ، ولمن أوصى له الثلث . سعيد بن المسيب
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا نا أبو معاوية الضرير عن الأعمش : أنه قال : إن الله قسم بينكم فأحسن القسمة ، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله عز وجل يضل ، أوص لقرابتك ممن لا يرث ، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه . مسروق
ومن طريق نا إسماعيل نا سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة قال : سألت عطاء بن أبي ميمونة سالم بن يسار ، عن قول الله عز وجل : { والعلاء بن زياد إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } فدعوا بالمصحف فقرآ هذه الآية ، فقالا : هي للقرابة .
ومن طريق نا إسماعيل علي بن عبد الله نا معاذ بن هشام الدستوائي : حدثني أبي عن عن قتادة عبد الملك بن يعلى : أنه كان يقول فيمن يوصي لغير ذي القربى وله ذو قرابة ممن لا يرثه : أنه يجعل ثلثا الثلث لذوي القرابة وثلث الثلث لمن أوصى له به .
ومن طريق نا إسماعيل نا محمد بن عبيد عن محمد بن ثور عن معمر في قول الله تعالى : { قتادة إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } قال : نسخ منها الوالدان ، وترك الأقارب ممن لا يرث .
ومن طريق نا إسماعيل الحجاج بن المنهال نا عن حماد بن سلمة قال : هي للقرابة - يعني الوصية - . إياس بن معاوية
وبوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون يقول إسحاق ، . وأبو سليمان
وقال آخرون : ليس ذلك فرضا ، بل له أن يوصي لغير ذي قرابته .
وهو قول الزهري ، ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وسليمان بن يسار وعمرو بن دينار ، . [ ص: 355 ] وهو قول ومحمد بن سيرين ، أبي حنيفة والأوزاعي ، ، وسفيان الثوري ، ومالك . والشافعي
واحتجوا بحديث الذي أوصى بعتق الستة الأعبد ، ولا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فقالوا : هذه وصية لغير الأقارب .
قال : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه بيان أنه كان بعد نزول الآية المذكورة ، ونحن لا نخالفهم في أن قبل نزولها كان للمرء أن يوصي لمن شاء ، فهذا الخبر موافق للحال المنسوخة المرتفعة بيقين لا شك فيه قطعا - فحكم هذا الخبر منسوخ بلا شك والآية رافعة لحكمه ناسخة له بلا شك . أبو محمد
ومن ادعى في الناسخ أنه عاد منسوخا ، وفي المنسوخ أنه عاد ناسخا بغير نص ثابت وارد بذلك ، فقد قال الباطل وقفا ما لا علم له به ، وقال على الله تعالى ما لا يعلم وترك اليقين وحكم بالظنون ، وهذا محرم بنص القرآن .
ونحن نقول : إن الله تعالى قال : { تبيانا لكل شيء } فنحن نقطع ونبت ونشهد أنه لا سبيل إلى نسخ ناسخ ، ورد حكم منسوخ دون بيان وارد لنا بذلك ، ولو جاز غير هذا لكنا من ديننا في لبس ، ولكنا لا ندري ما أمرنا الله تعالى به مما نهانا عنه ، حاشا لله من هذا - فظهر لنا بطلان تمويههم بهذا الخبر .
وأيضا : فليس فيه أن ذلك الرجل كان صليبة من الأنصار ، وكان له قرابة لا يرثون ، فإذ ليس ذلك فيه فممكن أن يكون حليفا أتيا لا قرابة له ، فلا حجة لهم فيه ، ولا يحل القطع بالظن ، ولا ترك اليقين له .
وأعجب شيء احتجاجهم في هذا بأن أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف درهم - ولأهل عبد الرحمن بن عوف بدر بمائة دينار ، مائة دينار لكل واحد منهم - وأن أوصى لكل أم ولد له بأربعة آلاف درهم ، أربعة آلاف درهم - وأن عمر عائشة أم المؤمنين أوصت لآل أبي يونس مولاها بمتاعها ؟ قال : إن هذا لمن قبيح التدليس في الدين ، وليت شعري : أي شيء في هذا مما يبيح أن لا يوصي لقرابته ؟ وهل في شيء من هذه الأخبار أنهم رضي الله عنهم لم يوصوا لقرابتهم ؟ فإن قالوا : لم يذكر هذا فيه ؟ قلنا : ولا ذكر فيه أنهم أوصوا بالثلث فأقل ، ولعلهم [ ص: 356 ] أوصوا بأكثر من الثلث - وهذه كلها فضائح ، نعوذ بالله من مثلها - ونسأله العصمة والتوفيق . أبو محمد