مسألة : " عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما " . فإذا زالت الشمس يوم
قال أبو عبد الله - في رواية المروذي - : عرفة عرف بيننا وبين نبينا فإذا أتيت فقل : اللهم هذه محمد - صلى الله عليه وسلم - واغتسل إن أمكنك ، وصل مع الإمام الظهر والعصر ، فإن لم تدرك الإمام جمعت بينهما ، ثم صرت إلى عرفات فوقفت على قرب من الإمام في أصل الجبل إن استطعت ، وعرفات كلها موقف ، وارفع عن بطن عرنة ، وقل : الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، وذكر دعاء كثيرا .
وجملة ذلك : أنه إذا زالت الشمس فإن بطن وادي عرنة حيث خطب بالناس وصلى بهم ، فيخطب الإمام بالناس ويصلي بهم الصلاتين يجمع بينهما ، ثم يسيرون إلى الموقف الإمام والناس يقصدون مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهو بعرفة .
قال جابر : " " رواه حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف مسلم ، وفي حديث نحوه وقد تقدم . ابن عمر
[ ص: 495 ] وعن سالم قال : " كتب عبد الملك إلى الحجاج : أن لا يخالف في الحج فجاء ابن عمر وأنا معه يوم ابن عمر عرفة حين زالت الشمس .
فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة ، فقال : ما بالك يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : الرواح إن كنت تريد السنة ، قال : هذه الساعة ؟ قال : نعم ، قال : فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج ، فنزل حتى خرج الحجاج ، فسار بيني وبين أبي ، فقلت : إن كنت تريد السنة فأقصر الخطبة ، وعجل الوقوف ، فجعل ينظر إلى عبد الله ، فلما رأى ذلك عبد الله قال : [ ص: 496 ] صدق " . رواه البخاري . والنسائي
وعن قال : " لما قتل ابن عمر الحجاج ابن الزبير أرسل إلى أية ساعة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروح في هذا اليوم ؟ قال : إذا كان ذلك رحنا ، فلما أراد ابن عمر أن يروح قال : قالوا : لم تزغ الشمس ، قال : أزاغت ؟ قالوا : لم تزغ ، قال : فلما قالوا : قد زاغت ارتحل " . رواه ابن عمر أحمد وأبو داود . وابن ماجه
فعلى هذا يسيرون إلى بطن الوادي فينزلون فيسمعون الخطبة ، ويصلون ثم يركبون إلى الموقف ، وأما الأحمال فعلى حالها .
ولم يكن في هذا المصلى على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه مسجد .
قال - رضي الله عنه - : لم يكن مالك بن أنس بعرفة مسجد منذ كانت ، [ ص: 497 ] وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين ، وكان الإمام يخطب منها موضع يخطب اليوم ، ويصلي بالناس فيه .
وقد ذكر الأزرقي : أن من حد الحرم إلى هذا المسجد ألف ذراع وستمائة ذراع وخمسة أذرع ، وأنه من الغار الذي بعرنة ، وهو منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المسجد : ألفا ذراع ، وأحد عشر ذراعا .
ويسمون هذا المسجد : مسجد إبراهيم ، وربما قال : ... ، وهذا المسجد ببطن عرنة وليس هو من عرفات ، فتكون الخطبة والصلاة يوم عرفة ببطن عرنة .
وقد أعرض جمهور الناس في زماننا عن أكثر هذه السنن ، فيوافون عرفة من أول النهار ، وربما دخلها كثير منهم ليلا ، وبات بها ، وأوقد النيران بها ، وهذا بدعة [ ص: 498 ] وخلاف للسنة ويتركون إتيان نمرة والنزول بها ; فإنها عن يمين الذي يأتي عرفة من طريق المأزمين يماني المسجد الذي هناك كما تقدم تحديدها ، ومن قصد عرفات من طريق ضب كانت على طريقه .
ولا يجمعون الصلاتين ببطن عرنة بالمسجد هناك ، ولا يعجلون الوقوف الذي هو الركوب وشد الأحمال ، بل يخلطون موضع النزول أول النهار بموضع الصلاة والخطبة ، بموضع الوقوف ، ويتخذون الموقف سوقا ، وإنما كانت الأسواق بين الحرم والموقف ... ، فإذا لم يفعل الإمام فمن أمكنه ...