( الفصل الرابع )
أنهم منى إلى عرفات - ولا يقفون عند المشعر الحرام كما كانت الجاهلية تفعل - فينزلون قبل الزوال يسيرون من بنمرة ، ومن أصحابنا من قال : ينزلون بعرفة .
قال أبو عبد الله - في رواية المروذي - : ثم يغدو - يعني بعد المبيت [ ص: 490 ] بمنى - إلى عرفات ويقول : اللهم إليك توجهت وعليك اعتمدت ، ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في سفري وتقضي حاجتي وتغفر لي ذنوبي ، اللهم إني لك أرجو وإياك أدعو ، وإليك أرغب فأصلح لي شأني كله من الآخرة والدنيا .
قال : " جابر بن عبد الله منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب بنمرة ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، فقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن - كان مسترضعا في ربيعة بن الحارث بني سعد فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ; ربا ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولكم عليهن [ ص: 491 ] رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام الصلاة فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف العباس بن عبد المطلب " رواه فلما كان يوم التروية : توجهوا إلى مسلم وغيره .
وعن قال : " ابن عمر منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة ، فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ، ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة " رواه غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحمد . وأبو داود
وقد روى الأزرقي عن قال : " ابن جريج سألت عطاء عرفة ؟ قال : أين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوم بنمرة منزل الخلفاء إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفات يلقى عليها ثوب يستظل به - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 492 ] قال الأزرقي : نمرة هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف ، وتحت جبل نمرة غار أربع أذرع في خمس أذرع ، وذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف ، وهو منزل الأئمة اليوم ، والغار داخل في جدار دار الإمارة في بيت في الدار .
وروى في مراسيله عن أبو داود ، ثنا ابن جريج أبان بن سلمان : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل يوم عرفة عند الصخرة المقابلة منازل الأمراء - يوم عرفة - التي بالأرض في أسفل الجبل ، وستر إليها بثوب عليه " .
وأما منى إلى عرفة : فقال القاضي في الأحكام السلطانية : يستحب للإمام في الحج أن يخرج في اليوم الثامن من سلوكه من مكة فينزل بخيف بني [ ص: 493 ] كنانة حيث نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبيت بها ويسير بهم من غده وهو اليوم التاسع - مع طلوع الشمس إلى عرفة - على طريق ضب ، ويعود على طريق المأزمين اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليكون عائدا في غير الطريق التي صدر منها ، فإذا أشرف على عرفة نزل ببطن نمرة ، وأقام به حتى تزول الشمس ثم سار منه إلى مسجد إبراهيم - عليه السلام - بوادي عرفة .
وقال الأزرقي : ضب طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة ، وهي في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة ، وقد ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلكها حين عدل من منى إلى عرفة قال ذلك بعض المكيين .
وروى بإسناده عن قال : " سلك ابن جريج عطاء طريق ضب ، قال : هي طريق موسى بن عمران " .
وفي رواية فقيل له في ذلك : فقال : " لا بأس إنما هي طريق " .
[ ص: 494 ] والسنة أن ينزل الناس بنمرة وهي من الحل ، وليست من أرض عرفات وبها يكون سوقهم .
وأما أرض عرفات فليست السنة أن ينزل بها ، ولا يباع فيها ولا يشترى وإنما تدخل وقت الوقوف .