[ ص: 64 ] كتاب أسرار الحج
جعل الله البيت العتيق مثابة للناس وأمنا ، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفا وتحصينا ومنا ، وجعل زيارته والطواف به حجابا بين العبد وبين العذاب ومجنا . والحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وتمام الإسلام وكمال الدين ، وأجدر بها أن تصرف العناية إلى شرحها وتفصيل أركانها وسننها وآدابها وفضائلها وأسرارها .
[ الباب الأول ] ومكة والمدينة فضائل الحج وفضيلة البيت
وشد الرحال إلى المسجد
قال الله عز وجل : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) [ الحج : 27 ] قال " قتادة " : لما أمر الله عز وجل " إبراهيم " - عليه السلام - أن يؤذن في الناس بالحج نادى : " يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتا فحجوه " وقال صلى الله عليه وسلم : " " ويروى : " إن من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة ، وكل من حجها متعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة . وعن " " - رضي الله عنه - أن صدقة درهم فيها بمائة ألف ، وكذلك كل حسنة بمائة ألف . ويقال : إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات . الحسن البصري مكة استقبل الكعبة وقال : " إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ، ولولا أني أخرجت منك لما خرجت " . ولما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
وما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالأعمال فيها أيضا مضاعفة ، [ ص: 65 ] قال صلى الله عليه وسلم : " " وبعد مدينته الأرض المقدسة فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام . وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ، ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر . لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى