فصل
وليس من بيع الغرر كاللفت والجزر والفجل والقلقاس والبصل ونحوها ، فإنها معلومة بالعادة يعرفها أهل الخبرة بها ، وظاهرها عنوان باطنها ، فهو كظاهر الصبرة مع باطنها ، ولو قدر أن في ذلك غررا ، فهو غرر يسير يغتفر في جنب المصلحة العامة التي لا بد للناس منها ، فإن ذلك غرر لا يكون موجبا للمنع ، فإن إجارة الحيوان والدار والحانوت مساناة لا تخلو عن غرر ؛ لأنه يعرض فيه موت الحيوان ، وانهدام الدار ، وكذا دخول الحمام ، وكذا الشرب من فم السقاء ، فإنه غير مقدر مع اختلاف الناس في قدره ، وكذا بيوع السلم ، وكذا بيع المغيبات في الأرض ، وكذا بيع البيض والرمان والبطيخ والجوز واللوز والفستق ، وأمثال ذلك مما لا يخلو من الغرر ، فليس كل غرر سببا للتحريم . بيع الصبرة العظيمة التي لا يعلم مكيلها
، أو لا يمكن الاحتراز منه ، لم يكن مانعا من صحة العقد ، فإن الغرر الحاصل في أساسات الجدران ، وداخل بطون الحيوان ، أو آخر الثمار التي بدا صلاح بعضها دون بعض لا يمكن الاحتراز منه ، والغرر الذي في دخول الحمام ، والشرب من السقاء ونحوه غرر يسير ، فهذان النوعان لا يمنعان البيع بخلاف والغرر إذا كان يسيرا ، وهو [ ص: 728 ] المذكور في الأنواع التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان مساويا لها لا فرق بينها وبينه ، فهذا هو المانع من صحة العقد . الغرر الكثير الذي يمكن الاحتراز منه
فإذا عرف هذا فبيع المغيبات في الأرض ، انتفى عنه الأمران ، فإن غرره يسير ، ولا يمكن الاحتراز منه ، فإن الحقول الكبار لا يمكن بيع ما فيها من ذلك إلا وهو في الأرض ، فلو شرط لبيعه إخراجه دفعة واحدة كان في ذلك من المشقة وفساد الأموال ما لا يأتي به شرع ، وإن منع بيعه إلا شيئا فشيئا كلما أخرج شيئا باعه ، ففي ذلك من الحرج والمشقة وتعطيل مصالح أرباب تلك الأموال ، ومصالح المشتري ما لا يخفى ، وذلك مما لا يوجبه الشارع ، ولا تقوم مصالح الناس بذلك البتة حتى إن الذين يمنعون من بيعها في الأرض إذا كان لأحدهم خراج كذلك ، أو كان ناظرا عليه ، لم يجد بدا من بيعه في الأرض اضطرارا إلى ذلك ، وبالجملة ، فليس هذا من الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نظيرا لما نهى عنه من البيوع .